أحد أبرز الأدوات للتشويش حول أى قضية، والذهاب بالطرف المستقبل، سعيا للتلاعب بعقله، سواء كان ذلك عقل لفرد، أو عقلا جمعيا لأمة، هو أن تشوش مفاهيمه " لخبطة المفاهيم"، والفكرة ببساطة أن تجعل كل مفهوم متعارف عليه له دلالات متداخلة، بحيث يحمل المعني وعكسه، فتصير مع الوقت تلك المفاهيم ذات سمعة مغايرة للمعنى الأصلى، أو تحمل بعدا آخر غير الذى نشأت عليه، فعلى سبيل المثال عبارات مثل " الجهاد و الاستشهاد"، كانت فى وقت من الأوقات لها بعدا دينيا كبيرا، وكان الموصوف بهما له مراتب عليا، وتفخر أسرته وعائلته، حتى أن منظمات كانت ترعى الجهاد والمجاهدين، لكن مع الوقت دخل طرفا فى المعادلة جعل الجهاد والاستشهاد وسيلة لتدمير الشعوب، واستهداف جيوش الدول الوطنية، وجعل الدين زريعة لقتل الناس لجلب الأموال، فتغير المعنى من صفة ذات بعدا دينيا، إلى مصطلحا يستخدم سياسيا، تلك التطورات على التلاعب بالعقول ليست وليدة لتطور الزمن والمصطلحات، لكنها خطوات رئيسية يتم اعدادها بعناية لضرب المفاهيم، وذرع نماذج بعينها يتم اعطائها القيادة، بحيث تترك لهواها الشخصى، ويتم التدخل معها فى الوقت المناسب إما بتغييرها أو قتلها، مثلما يحدث فى قيادات الجماعات الارهابية، التى تظهر وتختفى ولا تعرف سر وصولها للقيادة أو سر الصمت عما تفعله، أو توقيت قتلها أو استبدالها، وتلك الامور كلها تجرى عند طرف آخر يعرف أدوات اللعبة ووسائل دعمها.
فى محاضرة ألقاها الدكتور ماجد عياد، أستاذ الذكاء الاصطناعى، على أعضاء لجنة مواجهة التطرف والارهاب بالمجلس الأعلى للثقافة، تحدث في المفهوم السابق، ضمن عنوان كبير وهو التلاعب فى العقل الجمعي للدول التى يتم استهدافها، والحقيقة أن حديث الحضور الأفاضل، فتح بابا للحديث حول فكرة التشويش على المفاهيم فى الدولة عموما، بحيث تذكرك المواقف بأن هناك بالفعل قطاعا
من الشعب حتى الآن مازال أسيرا لأكليشهات مغلوطة، أو موروثات مضللة ، أو حتى لم يرى ما يتم على أرض الواقع، فهل حضراتكم مثلا وقفتم عند أهمية التحول الرقمى الذى تم فى العديد من مؤسسات الدولة ومازال مستمرا، وهل جددنا تصوراتنا عن المصالح الحكومية والمرور وتعاملات أقسام الشرطة، التى شهدت كلها تطورا للأفضل بمراحل، وهل وقفنا عند طرق الشكاوى الحكومية والتى يبت فيها ويصلك الرد على هاتفك المحمول، كثير من المفاهيم التى تم تشويشها، ولم نقف ونلتقط أنفاسنا لتصحيحها.