«تحيا مصر» والمجتمع الأهلى
عندما يدرك المواطن أنه، وكل المواطنين، متساوون فى الحقوق، والواجبات سوف ينتهى الكثير من الظواهر، التى تمثل ثغرات فى البنيان الاجتماعى والسياسى. قضينا سنوات كثيرة وعقودا نتحدث عن الانتماء ونسمع الأغانى حول الانتماء من دون أن يشعر أحد بهذا.
نقول هذا بمناسبة السؤال الذى ظل مطروحا حول صندوق تحيا مصر وأين تذهب الأموال التى يساهم بها المصريون فى الصندوق؟. وعندما رأينا حجم المساهمة من الصندوق فى مشروع الأسمرات بمليار جنيه، وعلاج 750 ألف مريض بفيروس الكبد الوبائى. بدت الإجابة مناسبة للسؤال. العلاج تكلفته ما يتجاوز الخمسين ألفا ويقدم بمئات، والمليار فى مشروع لنقل اجتماعى للعشوائيات، يمثل خطوة إضافية سهلت وسرعت من عملية نقل العشوائيات.
بالطبع فإن الصندوق لا يفترض أن يكون بديلا للدولة، وأن يكون بداية لمجتمع أهلى حقيقى يشارك فى البناء والتنمية من دون أغراض سياسية أو دينية. لأن أزمة المجتمع الأهلى غياب الثقة وتوجيه الأموال العامة والخيرية إما إلى مسارات فاسدة أو إلى استقطاب دينى أو سياسى. وتوظيفه لاستغلال الفقراء والتلاعب بهم وإهانتهم وسرقة إرادتهم فى الانتخابات. وهو أمر يشكل أكبر تدمير للمجتمع ولنفسية المواطنين وانتماءاتهم.
وربما يكون المواطن الفقير معذورا وهو يبيع صوته أو إرادته، لكونه لا يرى نتاجا لصوته ولا اختلاف بين الوجوه التى تستغله فى كل الأحوال. ولدينا تجربتان استجاب فيهما المواطنون للدعوة السياسية، عندما شاركوا وأقبلوا على شهادات قناة السويس، وفاضت الأموال التى تم جمعها. ولم تهتز ثقتهم فى المشروع، بالرغم من حملات التشكيك والتقليل منه. والمرة التالية كانت المساهمات فى صندوق تحيا مصر، ويبدو أنه بعد نجاح فكرة علاج مرضى الفيروس الكبدى، ثم اكتشافهم أن الأموال تدخل فى بناء مجتمعات جديدة لنقل العشوائيات، من خلال مشروع الأسمرات بمراحله، وهناك مجالات أخرى مهمة تم فيها إنفاق أموال الصندوق. وربما لهذا، فإن هذه المساهمات قد لا تكون كافية، لكنها تمثل نوعا من الثقة، التى تبقى ثقة شخصية لكنها لا تتطور لتمثل أسلوب عمل، يمكن من خلاله بناء مجتمع مدنى وأهلى حقيقى، يتجاوز الأفراد إلى التنظيم الجماعى من دون أغراض.
كل هذا يعيدنا إلى نقطة البداية وإعادة بناء ثقة المجتمع فى نفسه، وبعضه، وهى خطوات تتم بالتدريج، ومع إزالة تراكمات فقدان الثقة القائمة من سنوات. لكن الأمر ليس سهلا، لأنه يفترض أن يتضمن إزالة تأثيرات عقود من الفساد والتواطؤ، وغياب تكافؤ الفرص. لقد وفرت الثقة مساهمات من المواطنين بصندوق تحيا مصر، والخطوة الأهم نقلها من الشخصى إلى سلوك عام.