منذ بدأت شركات التكنولوجيا والسوشال ميديا في الانتشار، كان لها تبعات كثيرة على طبيعة المجتمعات التي ظهرت بها، وكان من أهم هذه التبعات، شكل وطبيعة ونوع الوظائف في المجتمع، فبعد أن كانت أغلب وأهم الوظائف في أي مجتمع هي الدكتور والمهندس والموظف الحكومى والمدرس، وكانت هذه الوظائف هي الأعلى أجرا حتى وقت قريب.
إلا أنه ما أن ظهرت شركات التكنولوجيا وانتشرت في جميع أنحاء العالم مثل جوجل وفيس بوك وتويتر وتيك توك، بالإضافة إلى شركات إنتاج الأجهزة التكنولوجية مثل الموبايل والتابلت وغيرها، ظهرت في كل المجتمعات وظائف كثرة مرتبطة بهذه الأعمال مثل "اليوتيوبر" الذي يصل دخل الواحد فيهم إلى ملايين الدولارات شهريا، بالإضافة إلى المتخصصين في أعمال البرمجة والتطوير وإنشاء المواقع الألكترونية الخاصة والمدونات وغيرها الكثير، بالإضافة إلى الخدمات الخاصة بشركات الاتصالات وأجهزة المحمول والمتاجر ومحلات البيع والصيانة وغيرها الكثير.
ولم يقتصر الأمر على ظهور وظائف جديدة خاصة بشركات التكنولوجيا فقط، كما في السطور السابقة، بل حتى الوظائف التقليدية أصبح أغلبها يتم تنفذه أون لاين، خصوصا بعدما ظهر فيروس كورونا، فأصبحنا نجد الصيدلية الأون لاين، الطبيب الأون لاين، والمدرس الأون لاين، والمحامي الأون لاين، وكثير من الموظفين أصبحوا يقومون بأغلب أعمالهم من منازلهم أون لاين.
كما اتجهت معظم الدول والحكومات إلى التحول الرقمي وإعداد وإنشاء بوابات رقمية لتقديم خدماتها التقليدية أون لاين، مثل استخراج المستندات وتقديم الطلبات والحصول على الرخص وتجديدها، والتواصل مع الموظفين والمسئولين وعقد المؤتمرات والاجتماعات أون لاين، ولعل ذلك ما جعل العديد من الدراسات تؤكد أن السنوات المقبلة ستشهد غياب كثير من الوظائف التقليدية لصالح وظائف أخرى.
لكن بعد هذا التحول الكبير في طبيعة الوظائف وأنواعها في العالم، هل على الحكومة أن تقف أمامه موقف المتفرج؟ أم يجب أن تغير هي الأخرى من خطط عملها تبعا لمتطلبات سوق العمل الجديدة؟ من خلال تغيير برامج التعليم الفني والعام وإعطاء فرصة أكبر لدراسات التكنولوجيا والحواسب وغيرها من المجالات المرتبطة بالتكنولوجيا لأنها مجالات كثيفة العمالة وعالية الدخل ومستديمة العمل.. أرجو أن يكون ذلك في أولوية خطط الحكومة المستقبلية.