المتأمل في الآية الكريمة التي وردت في سياق أحكام الطلاق في سورة البقرة قال تعالي:" وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “(البقرة /237 ) ، يلاحظ أنها خرجت من سياق سبب النزول إلى آفاق أكثر شمولا "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" أي بعد الانفصال والفراق كل إلى حال سبيله، لا تنسوا العشرة والمودة السابقة.
ويروى الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" عن ثنا سعيد، عن قتادة: (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. يرغبكم الله في المعروف، ويحثكم على الفضل).
إنها وصية عظيمة في سياق العلاقات الإنسانية بين الأبناء وأولادهم وبين الأزواج وزوجاتهم وبين الأصدقاء وزملاء الدراسة والعمل وبين التلاميذ ومعلميهم وبين الدول بعضها وبعض.. إنه شمول ما بعده شمول، وحث على حفظ الود والألفة وفضل الآخرين، وعدم تجاهلهم وإهمالهم بعد انقطاع العلاقات السببية وزوال المصلحة والغرض.
والفضل كلمة بخلاف العدل والعفو، فالفَضْلُ هو الإحسانُ ابتداءً بلا علّة، والزيادة على الاقتصاد، والإسلام دين الرحمة والتراحم والمودة والحلم والأخلاق الإنسانية الرفيعة.
وهذه الآية الكريمة أيضا أكبر تشجيع على الكرم الزائد، والتسامح، فأنت لا تتنازل عن حقك عدلا بل تفضلا وزيادة في الكرم، مقابل الحافظ على روح الود والعشرة الطيبة. يا لها من قاعدة كبرى ونصيحة ذهبية للمتخاصمين والفرقاء، الذين بمجرد الخلاف ودواعي الانفصال وافتراق الطرق، ينسون ما كان بينهم من لحظات جميلة ومعان عظيمة. فيذكرهم الله بأنه بصير وعالم ومطلع على أمور عباده وما ظهر منها وما خفي، بـ "وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ".
أي رسالة أبلغ من ذلك وأي خطاب إنساني أرحم من ذلك.. اجعلوها قاعدة في حياتكم اليومية، تدخلوا في واسع رحمته ويشملكم بفضله الذي هو فوق كل فضل وعفوه الذي هو فوق كل عفو. أفلا تعقلون؟