كم مرة سرت مهمومًا لا ترى أمامك من كثرة التفكير فى الغد وما بعد الغد، كم مرة حملت على كتفيك أثقال الدنيا وتنقلت بها من مكان لمكان، لا راحة ولا طمأنينة ولا حتى هدنة بسيطة، لست وحدك فى ذلك، كلنا أنت، نرتكب الحماقة نفسها، ونخشى أيامًا مقبلة، لا نعرف عنها شيئًا.
لا أستطع أن أغادر سورة لقمان بسهولة، فكل آية تستوقفنى وتجعلنى أفكر فيها، وهنا يقول الله سبحانه وتعالى فى نهاية السورة "إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِى ٱلأَرحَامِ وَمَا تَدرِى نَفس مَّاذَا تَكسِبُ غَدٗا وَمَا تَدرِى نَفسُ بِأَى أَرضٖ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ"، لا أحد يستطيع أن يضمن الغد، لأنه ببساطة لا يضمن أنه سيعيش فى الغد، ومع ذلك نسعى ولا نستسلم، ونخطط ولا نتوقف، ونتدبر أمورنا كيفما اتفق، وهذا هو الصواب، نوعًا ما، فنحن لا نملك غير السعي، وغير العمل والدأب ولكن كيف نخلط ذلك بنوع من التسامح مع الزمن، بترك مساحة للأيام تفعل ما تشاء كما يقولون، هذا هو المهم.
علينا معرفة أن كل يوم له شأنه، قد يمر عاديًا لا جديد، وقد يصيبنا بعض الشر، وقد يغدق علينا الخير من أبواب لا نعرفها، قد نموت وقد يُمد فى أعمارنا، قد يسير النهار كما خططنا له وقد ينقلب الليل رأسا على عقب، احتمالات كثيرة جميعها تملك نسبًا متقاربة فى حياة كل واحد.
السؤال هو: كيف يوازن الإنسان بين السعى فى الدنيا والعمل المتواصل وبين الإيمان بأنه لا يملك جميع الخيوط وأنه يأمل فى رحمة ربه؟ هذا هو جوهر الأمر ومربط الفرس، فإن استطاع أحدنا أن يصل إلى هذه الحالة فقط وصل تقريبا إلى درجة من الثبات تقيه وتحميه من تقلبات نفسه وهواجس روحه، لذا نسأل الله الثبات.