نعيش ونموت على هذه الأرض ونحن مغترون بأنفسنا، متعالون على كل كائنات الله، لا نفكر فى أصلنا، بل ننظر إلى أعلى دائمًا، كأننا جئنا من نور الشمس، وليس من تراب ندوسه ونخطو عليه، ومن "ماء مهين" لا قيمة له.
خلقنا الله سبحانه وتعالى فى صورة حسنة، هذا لا خلاف عليه، وأعطانا الكثير من العقل والتأمل والبصيرة، ولكنه فى الوقت نفسه أخبرنا عن أًصلنا وفصلنا، قال لنا فى سورة السجدة "الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ" والطين نعرفه، والماء المهين هو نطفة الرجل والمرأة، وكلمة "المهين" تدل على تقليل واستهانة، حيث يقول المفسرون فى معناها "مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ" أى: ممتهن لا يُهتم بشأنه، ولا يُعتنى به.
نعم، هذا هو أصلنا، والأمر هنا ليس تقليلا ولا احتقارا للإنسان، لكنه دعوة للتذكر دائمًا، حتى لا تأخذنا الظنون فنتعالى على الخلق، نحن جئنا من شيء لا يُذكر، فالدين الإسلامى يتعامل مع هذا الشيء "ماء الرجل وماء المرأة" بأنه أمر يستوجب الاغتسال والطهارة منه قبل الصلاة والوقوف بين يدى الله.
وذلك لا ينفى أن الله، سبحانه، قد فضلنا بقدرتنا على استخدام العقل وتطوير وبناء مجتمعاتنا على كثير من المخلوقات، وعلى الرغم من كونى من المنتصرين للعقل، ولكننى أعترف بأن عقولنا تخوننا أحيانا، وتجعلنا نغتر بما نحن فيه، وننسى أصلنا ومآلنا أيضًا.
ما أود قوله، إن الإنسان القادم من ماء مهين، عليه ألا ينسى نفسه حتى لو أمسك فى يده مقود العالم، ولعل ما حدث من انتشار لوباء "كورونا" دليل قوى على أننا ضعفاء مهددون حتى من أصغر الأشياء التى لا نعلم مما خلقت أصلا.