لم يخلق الله سبحانه وتعالى مثل الإنسان فى اندفاعه الدائم ورغبته العارمة فى توريط نفسه، مرة تحت هاجس المعرفة، ومرة تحت سيطرة الشهوة، ومرات تحت سطوة الجهل بما يحيط به، ظانًا أنه يسعى للأفضل ويبحث عن مكانة ثابتة فى العالم المرتبك.
ونتوقف، اليوم، مع قول الله سبحانه وتعالى فى سورة الأحزاب "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا"، لقد اختلف المفسرون فى معنى الأمانة، لكن آراءهم فى مجملها تدور حول التكليف بالعبادة وإعمار الأرض، وقد اتفق المفسرون على أن الإنسان كان ظالمًا لنفسه وجهولًا بما سيلاقيه عندما وافق على حمل هذه الأمانة.
الغريب أننا حتى الآن لا نزال نواصل ظلم أنفسنا بالسعى لتحمل أشياء لا طاقة لنا بها، أحيانا نفعل ذلك مصحوبين بالخوف من الاعتراف بقلة حيلتنا، وأحيانا بالخجل من الآخرين، إضافة إلى ما سبق الإشارة إليه من طمع فى معرفة أو سيرا وراء رغبة مؤقتة.
نحن لا نشفق على أنفسنا أبدا، نواصل الظلم والجهل، وجزء من جهل الإنسان اعتقاده بأنه يملك مفاتيح كل شىء، لذا يضع نفسه فى منطقة شائكة، يعتمد على عقله فيضله أحيانا كثيرة، ويعتمد على عاطفته فتخدعه فى أحيان كثيرة أيضًا، وللأسف ليس هناك من حل نهائى لهذه المعضلة.
وللعلم فإن الظلم والجهل لا يقتصران على التصرفات الفردية فقط، فنظرة موسعة إلى العالم من حولنا سوف نجده محكومًا بهاتين الصفتين، فالحروب الكبرى التى اشتعلت على الأرض، كل الذين أوقدوا نارها كانوا ظالمين لأنفسهم وللآخرين وكانوا جاهلين بالنتائج، التى حطت على رأس الجميع، ولم تترك خلفها يابسا أو أخضر، لذا نسأل الله أن يلهمنا الإشفاق على أنفسنا كي ننجو من مزيد من الجهل والظلم.