فى ظل الدعوة إلى التراحم والتسامح والتآخى والترابط والتعاون تأتى قيمة وعظمة جبر الخواطر، والتى تعد عبادة من أعظم العبادات لله سبحانه وتعالى، لأن مقاصد الشرع السمحة في كافة الأديان السماوية دائما ما تحث على وجوب التحلِّى بالأخلاق الحسنة والإنسانية الرحيمة والمشاعر الطيبة بين أفراد المجتمعات والأمم.
نعم جبر الخواطر من الأخلاق الكريمة، فلك أن تتخيل عظمة أن يكون هناك إحساس بآلام الناس، ومواساتهم في مصابهم، وكيف يكون المردود على قلوب هؤلاء المتألمين عندما تكون بجوارهم في محنتهم، ولك أن تتخيل جمال التبسم والبشاشة في وجه أناس تعرفهم أو لا تعرفهم ومدى وقوع هذا على أفئدتهم من محبة ودفء، ولك أن تتخيل حلاوة قضاء حاجة لمن هو في كرب أو ضيق، لدرجة أن يجعل فعلك هذا طوق عرفان فى رقبته، ولك أن تتخيل عظمة التهادى والتحابى لأناس ضعفاء فتكون سببا لقوتهم ورد الحق لهم فيكونون مدينون لك بكرمك، ولك أن تتخيل حال يتيم أو فقير تكون سببا في إسعاده وتفريج همه، ولك تتخيل فرحة الملائكة بك وأن تنصر المظلوم والضعيف والمحتاج ولو بكلمة.. وما أجمل من دعم مكلوم في مصيبته، وما أعظم من إرضاء أب أو أم فتكون الجنة في انتظارك، وما أروع من صفاء سريرة أخ وأخيه فتكون العزوة سند لك وقت غدر، وما أنبل من جبر خاطر أخت فتكون لها السند بعد الرب، وما أجمل من نصيحة لطائش فتكون سببا في صلاح حاله..
وعظمة وجمال ما فى عبادة جبر الخواطر، أن كثيرا منها لا يحتاج الإنسان للتحلى بها إلى جهد ولا إلى مال، فربما ابتسامة أو كلمة طيبة أو دعاء بالخير أو ذكر بالصلاح، يكون جبرا لخواطر أناس كثير، ويكون سببا فى تأليف القلوب وزيادة التراحم، وإدخال السرور والسعادة إلى قلوب متألمة، فكم منا من يطير فرحًا إذا ابتسم أحد في وجهه، وكم منا من لا تسعه السعادة إذا سمع كلمة تشجيع أو استحسان من غيره، لذلك، فإن هذه الصفة العظيمة والعبادة الكريمة، يحرص عليها دائما الأصفياء الأنقياء من أصحاب الأرواح الطيبة والمشاعر الفياضة، لذا يقول الإمام سفيان الثورى "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر الخاطر".
فما أحوجنا ونحن فى زمن الوباء إلى هذه العبادة العظيمة والتحلى بها، وخاصة أن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، وقلّت صلة الأرحام وكثر الجشع والطمع وطغت المادة على القيم والمثل، وانتشرت الخلافات الأسرية والزوجية، فالاجتهاد وتعظيم هذه العبادة والحرص عليها منجاة لما نحن فيه.
وختاما، نقول، إن "جبر الخواطر" أدب وخلق رفيع لا يتخلق بها إلا أصحاب النفوس النبيلة والطيبة، فعلينا بهذه العبادة وهذا الخلق كى يجبر الله خاطرنا في زمن أغلقت الأبواب على أصحابها، وزاد الهلع والخوف بين البشر وتوقفت شرايين الحياة في كثير من البلدان والمجالات.. فيالها من عبادة يحبها الله..