نعرف أن الرزق فى الأرض من القضايا الكبرى المثارة دائمًا فى الأديان والفلسفات والحكايات الشعبية والتراث الإنسانى، لا يتوقف الكلام فيها، وأنا من المؤمنين بأن جانبًا كبيرًا من الرزق مرتبط بالسعى فى الأرض، وجزء آخر مرتبط بمفهومنا عن هذا الرزق، كيف نراه ونتصوره.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة "سبأ" "قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" وأنا عادة أقرأ هذه الآية بطريقتين مختلفتين، الأولى أفهمها من باب أن الله سبحانه وتعالى له حكمة كبيرة فى التوسعة على بعض خلقه فيرزقهم ويبارك لهم حتى لا تحيط أعينهم بما يملكون، أو فى جعل رزق بعضهم قليلا محددا حتى لا يجد الإنسان قوت يومه،، وذلك لكونه سبحانه وتعالى يبتليهم فى كلا الحالين، فيختبر الغنى ما الذى سيفعله بماله، ويختبر الفقير كيف يصبر على ضيق حاله.
وأقرأ الآية مرة أخرى من باب "السعى" حيث إن الله يوسع فى الرزق للإنسان الذى يسعى ويتعب من أجل أن يوسع على نفسه، ذلك الذى يبذل مجهودا أعلى، أى أنه "يشاء" أن يوسع الله عليه فى الرزق فيسعى فى مناكب الأرض، هذا الإنسان حتما سوف يرزقه الله نظير تعبه، أما الذى لا يتعب ولا يسعى ولا يبذل المجهود "ولم يشأ" فحتمًا سيكون رزقه قليلا محدودا.
هاتان الرؤيتان وإن كانتا مختلفتين ظاهريا، لكننى لا أرى فيهما تناقضا أبدا، وهما يتفقان مع روح الدين الذى يقول لك اسعى فى الأرض، ثم ارضى بما قسم لك، ولكن بعد السعى وليس قبله، نسأل الله القدرة على السعى والسعة فى الرزق.