ونحن نعيش عصر الحداثة وزمن السوشيال ميديا، هناك نعمة كبيرة وعظيمة يشكو البعض من قلتها وعدم توافرها في بيوتنا، وكأنها ارتفعت رغم أننا فى أمس الحاجة إليها، وخاصة أن الله جل شأنه جعلها جنداً من جنوده الأخفياء، ألا وهى "البركة"، تلك النعمة التى لم تقتصر على المال فقط، وإنما تمتد إلى الصحة والولد والعمل والوقت.
ورغم حث نبينا الكريم على ضرورة الحرص عليها، إلا أننا نفتقدها، ونحن في أشد المعاناة من القلق والخوف، والشكوى من تسارع الأيام وعدم الاكتفاء رغم كثرة الكسب والعمل، وقلة التواصل والرحم رغم تيسر الحياة، وانتشار الأمراض في ظل تقدم العلم والطب، وزيادة الاكتئاب وسط رفاهية الحياة وتوافر الأشياء.
والعجيب ارتفاع صوت الألم والعزلة في زمن تحققت فيه الرفاهية ووسائل الأمان والسعادة للبشر، ورغم ذلك نجد الكثير يحنون إلى حياتهم في الماضى، فهذا يحن إلى قريته البسيطة والعيش فيها، وذلك يكون فى قمة السعادة عند الذهاب إلى حارته القديمة متمنيا عودة الأيام، وهناك من يتمنى الجلوس على المصاطب والمقاهى كما كان حاله من قبل، وهناك من يندم على سهرات السمر وتبادل الأحاديث وما كان فيها من مودة وألفة بين الأهل والجيران، وذاك يتحدث عن قصص وحكايات عن اللمة والمودة والرحمة والبركة، والكل يؤكد أن هذه الأشياء الجميلة ضاعت مع سيطرة واقع وهميٍّ لا يتصل بالواقع الحقيقى لهم.
بل أن الغريب أن هناك أمرين يجتمعان عند كثيرٍ من الناس في عصرنا هذا، ألا وهما كثرة المال والرفاهية وقلة البركة، فنجد أناسا يتقاضون رواتب كبيرة وأناسا لديهم تجارة واسعة وأناسا ذو مناصب وجاه، وبيوت وسيارات فارهة ومع ذلك يشكون ضيق الحياة فيما يملكون.
لذا يجب علينا أن ننتبه إلى نعمة البركة وأهميتها، بل نحرص عليها، لأنها لو وجدت في حياة الإنسان أصابه التوفيق والخير والنماء، وأن نعلم أن هذه النعمة لم تقتصر على المال، وإنما هناك البركة فى العمر، والبركة فى الصحة، والبركة في الزوجة، والبركة في الأولاد، والبركة في الأهل والأقارب، والبركة في البيوت والأوطان، ونعلم أيضا أن من أسباب الحرمان من هذه النعمة الانخراط فى واقع ينسينا واجباتنا تجاه أنفسنا وتجاه الأهل والمجتمع.
وختاما، نقول ونحن نعيش عالما افتراضيا، يجب أن لا تنسينا هذه الحياة وضجيجها ونعلم علم اليقين أن زيادة البركة تكون نتاجا حقيقيا لصلة الأرحام وإصلاح ذات البين، ونشر المودة والرحمة، والقبول والرضا، وأن أبواب البركة كثيرة، سواء على نطاق العبادات المفروضة وذكر الله، والتعاون على البر والتقوى، ونشر الكلمة الطيبة، والمداومة على البر والإحسان والقيام بحق الوطن والمجتمعات، فالبركة إن وُجدت اتسعت الأوقات، وكثرت الأرزاق، وزادت السكينة والطمأنينة، وتضاعفت الطاقات والطاعات، وتحققت الإنجازات والمعجزات، وغمرنا الله بالرضا والقبول، فتكون طوق نجاة لنا في ظل هذه الحياة الافتراضية..