الاتحاد والشراكة والتعاون كلمات فرضت نفسها خلال السنوات الأخيرة فى العلاقة بين مصر وأفريقيا، لم تتوقف القاهرة عن طرح المبادرات وتقديم الأفكار، وعقد المنتديات، وإعادة رسم خرائط التعاون والشراكة مع القارة السمراء.
لم يعد يمر شهر من دون أن تستضيف القاهرة اجتماعًا، أو تجمعًا أفريقيًا، أو تشارك فى فعالية تتعلق بتبادل وجهات النظر أو حوار حول الحاضر والمستقبل.
تزامن انعقاد المؤتمر الخامس الذى تنظمه المحكمة الدستورية المصرية للمحاكم الدستورية والعليا الأفريقية، مع انعقاد المنتدى الأول لرؤساء هيئات ترويج الاستثمار الأفريقية، فى شرم الشيخ والذى يتعلق بالاستثمار والتخطيط وحاضر ومستقبل القارة الاقتصادى.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، أثناء استقباله لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة، أكد أن المرحلة الراهنة تقتضى اضطلاع القضاء الأفريقى بدور مؤثر فى تفعيل التنسيق بين الدول الأفريقية نحو بناء بيئة تشريعية موحدة ومتجانسة، للتعامل مع التحديات الدولية التى تواجه عملية صياغة مستقبل مشترك للقارة.
والواقع أن الدائرة الأفريقية تمثل أحد ثوابت السياسة المصرية، ولا تتعلق فقط بمحددات الأمن القومى والمصالح الاقتصادية فقط، لكنها تقوم على انتماء مصر لقارتها الأفريقية، وتقديم كل ما تستطيع لدعم التعاون، وتحرص مصر على نشر سياستها القائمة على تدعيم الوطنية، والدفع نحو الحل السياسى للصراعات والخلافات، سواء داخل الدول، أو بين الدول الأفريقية.
وحتى فيما يتعلق بقضاياها المتعلقة بالأمن القومى، والحقوق المائية، حرصت على تأكيد احترامها لحقوق الشعوب الأخرى، والبعد عن سياسات الصدام والصراع، مع تمسك واضح بحقوقها وثوابت أمنها القومى.
من هنا فإن شعار «التكامل من أجل النمو» عنوان المنتدى الأول لرؤساء هيئات ترويج الاستثمار الأفريقية، يعبر عن إصرار مصر على استكمال دائرتها الأفريقية، ليس بهدف مصالحها فقط، لكن ضمن سياسات الفعل تدخلًا فى كل القضايا الاقتصادية والسياسية. المنتدى يشارك فيه عدد من الوزراء فى الحكومة المصرية، مع وزراء ورؤساء هيئات الاستثمار فى 34 دولة أفريقية، بالإضافة إلى ممثلى كبرى المؤسسات والتكتلات الاقتصادية.
المنتدى استمرار لسياسة مصرية جرت خلال 7 سنوات، حيث قفزت مصر فى علاقاتها الأفريقية مراحل متقدمة، وأعادت إحياء الدائرة الأفريقية بعد عقود من الانسحاب.
ظل إحياء العلاقات المصرية الأفريقية مطلبًا للنخب والمفكرين، باعتبار أفريقيا دائرة استراتيجية لمصر، فضلًا عن كون مصر بوابة لأفريقيا على العالم. ومنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الرئاسة، عادت الدائرة الأفريقية لتتخذ مكانها ضمن السياسة الخارجية المصرية، ليس فقط من باب المصلحة، ولكن من باب التعاون والمشاركة، خاصة أن هناك تاريخا كبيرا من العلاقات المصرية الأفريقية طوال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، لكنها واجهت انسحابًا منذ السبعينيات حتى قبل سنوات.
وعندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقبل أن تتولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى، حدد الرئيس استراتيجية مصر الأفريقية من واقع إعادة تحديد المصالح المشتركة لمصر وأفريقيا، أهمها حق القارة فى ثرواتها وفى تنمية عادلة لمواردها، وفرض أسس الاستقرار فى المناطق الساخنة. وفى العام الذى سبق ترأس الاتحاد الأفريقى، حملت مصر قضايا القارة الأفريقية إلى شرق العالم وغربه، من الصين فى آسيا إلى النمسا فى أوروبا، كما احتضنت شرم الشيخ منتدى شباب العالم عام 2018، ومثلت أفريقيا محوره الرئيسى، تأكيدًا على انتماء مصر الأفريقى.
المنتدى الأول لرؤساء هيئات ترويج الاستثمار الأفريقية يأتى بعد أيام من عيد التحرير الأفريقى، الموافق 25 مايو من كل عام، ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، والتى أصبحت «الاتحاد الأفريقى». الدكتور مصطفى مدبولى، قال إن الاحتفال هذا العام يأتى فى ظل ظروف غير مسبوقة عالميًا وإقليميًا، تتطلب المزيد من التضافر لتعبئة قدرات أفريقيا، وإطلاق إمكاناتها، لتلبية طموحات شعوبها فى الترقى والازدهار، لافتا إلى أن تحديات «كوفيد - 19»، تؤثر على العديد من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، مع تحديات تتعلق بالنمو الاقتصادى والقيود على السفر، وتباطؤ التجارة العالمية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وتراجع الدخول، وهناك مشكلات تخص أفريقيا، والتى رغم أنها ثانى أكبر قارة عالميًا من حيث المساحة، بخصائص وموارد طبيعية، يسكنها 1.5 مليار نسمة، أكثر من 60% منهم شباب، ومع هذا يعيش فيها 70% من فقراء العالم.. ولا تتجاوز مساهمة أفريقيا 2% فى الناتج الاقتصادى العالمى، بقيمة 2.6 تريليون دولار من 131 تريليون دولار عالميًا. وبالتالى فإن المنتدى فرصة لتبادل وجهات النظر حول تنشيط القدرات الأفريقية، والاستثمار فى الصناعة والأنشطة الاقتصادية.
لم تكن المساعى المصرية للتعاون فقط أثناء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، لكنها متواصلة قبل وبعد الرئاسة. وخلال عام «2019» كانت مصر وأفريقيا حاضرة فى العديد من الفعاليات الدولية والتجمعات الاقتصادية والسياسية، شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى قمة «الصين - أفريقيا» ثم «أوروبا - أفريقيا»، وفى قمة الدول العشرين، ثم قمة السبع الكبار، و«تيكاد 7» مؤتمر طوكيو الدولى السابع للتنمية الأفريقية باليابان، مع رؤساء الدول الأفريقية، وعدد من المنظمات والمؤسسات الدولية.
تأتى التحركات المصرية إدراكا لتحولات اقتصادية وسياسية تدور على خارطة العالم، حيث تتشكل السياسة الخارجية للدول من خلال حزم المصالح، فى ظل منافسة تجارية واقتصادية تحاول فيها كل الأطراف الدفاع عن مصالحها، وتشهد السياسة الدولية تحولا ظاهرا، تحرص مصر فيه على بناء سياستها، استنادًا إلى توازنات واضحة، وظل الخطاب المصرى ثابتًا، يقوم على توسيع دوائر الشراكة الاقتصادية، والحرص على وحدة الدولة الوطنية فيما يتعلق بالدول الأفريقية والعربية واللجوء إلى الحل السياسى فى التعامل مع مفردات الصراع القائم.
لقد أصبح الحضور المصرى فى أفريقيا واضحًا، ومتواصلًا لا يرتبط بمصالح ضيقة، ولا تحركات خاصة، لكنه يقوم على استراتيجية أفريقية، تستهدف الصالح الأفريقى، لكل دولة على حدة، ولمجموع الدول الأفريقية، حتى يمكن أن تحصل أفريقيا على ما يليق بها من فرص وعوائد.