الإنترنت أصبح كالماء والهواء بعد أن أضحى أعظم الاختراعات المهمة فى تاريخ البشرية، لتصبح الحياة من دونه كابوسا مرعبا على كل المستويات، فلك أن تتخيل لو أصبح العالم بلا إنترنت، كيف تكون الحياة؟، أعتقد أنها ستكون حياة صعبة للغاية بل مستحيلة، لكن المزعج أنه للأسف الشديد رغم إيجابيات هذا الاختراع المهم، هناك ظواهر سلبية من شأنها تدمير المجتمعات وبمثابة خنجر حقيقى فى هوية الشعوب والمجتمعات.
ومن أبرز هذه الظواهر التي يجب مواجهتها، ظاهرة "مهاويس الإنترنت"، التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى بشكل مرعب ومخيف لدرجة وصلت للاستفزاز وتهديد الهوية، بعد انتشارها السريع لسهولة عمليات التواصل ومجانيتها فأضحت هذه المواقع ملاذا للجميع كل يعبر كيفما يشاء وقت ما يشاء، مطلقة العنان لمرتاديها لينشروا أفكارا وصورا وفيديوهات تتراقص على أوتار اللايكات.
والعجيب، أن هؤلاء المهاويس لا يهمهم إلا جمع اللايكات والشير وزيادة الفانز، حتى لو كان هذا على حساب ترويج أفكار غريبة أو التقليد الأعمى لعادات الغرب، متجاهلين قيم المجتمع وأخلاقه بل وضعها تحت الأقدام، حتى وصل الأمر بمخالفة الشرع والثوابت الوطنية فى كثير مما يطرحونه، المهم هو اللايكات والشهرة وجذب أكبر عدد من المتابعين لصفحاتهم، ولو بمحتوى زائف ومهين.
ومن عجائب هؤلاء المهاويس، أنهم اتخذوا من السب والقذف وانتقاد الثوابت والمشاهير والشخصيات العامة طريقا لتحقيق شهرة على السوشيال ميديا حتى ولو كان هذا على حساب هدم أسر وتدمير بيوت وإساء السمعة لأناس محترمين، فالمعيار هو حققت كم شير وكم لايك وكسبت كم دولار.
وما يزيد الأمر أسفا، أنه لم يتوقف البحث عن تحقيق هذه الشهرة الزائفة والحرام وجمع اللايكات المحرمة عند الأشخاص العاديين، بل أن المشاهير وشخصيات عامة أيضًا يبحثون عن تحقيق شهرة أكثر من خلال افتعال أزمات وخناقات، والهدف ركوب التريند فبدلا من أن يكونوا نموذجا وقدوة أصبحوا مهاويس وعالة على المجتمع.
وهذا كله يرجع بسبب غياب الضمير الخلقى وضعف الوازع الدينى عند هؤلاء المهاويس، لذا يجب علينا أن ننتبه أن "السوشيال ميديا" عالم افتراضى، وبالتالي ليس كل ما يكتب أو يبث عبر فيديوهات يعبر عن أناس عاقلين أو عن شخصية هؤلاء الحقيقية، وإنما يعبر عن أشخاص يعانون من اضطراب سلوكى أو لديهم حرمان عاطفى، أو عملاء فيتخذون مواقع التواصل على أنها منفس لهم، فنجد منهم ما يتصنع صورة زائفة مخالفة لحقيقته، ومنهم مضطربين نفسيين، ومنهم من يبحث عن المال حتى ولو باتباع أسلوب "خالف تعرف"، فالأهم لديهم المكسب حتى ولو على حساب قيم وأخلاقيات المجتمع فلابد من عدم الانسياق وراء مثل هؤلاء الأشخاص والمهاويس.
وختاما، إذا كانت مواقع التواصل، قد قدمت لنا الكثير من الإيجابيات، وجعلت من العالم قرية صغيرة، وأصبحت الحياة بدون الإنترنت مستحيلة، إلا أنه يجب علينا أن نعلم أن هذا الاختراع سلاح ذو حدين، فنعم حقق ويحقق إيجابيات عظيمة، لكنه في نفس الوقت أشد خطورة من السلاح النووى، لذا يجب على الدولة والأفراد والمجتمع عدم دفن الرؤوس في الرمال تجاه السلبيات، لأنها لم تعد قابلة للتجاهل، كونها أصبحت تضرب المجتمعات في مقتل بعد أن نشرت الزيف والخداع والتضليل ودهست القيم، وأحدثت فوضى تجاه الثوابت الأخلاقية والوطنية والدينية، فأصبح لم يعد ممكنا التمييز بين الصادق والكاذب وأضحينا أمام مستنقعات كلامية وتصويرية تبث ليل نهار دون رابط ولا ظابط، لنكون في النهاية أمام تحدى يعادل تحديات الأمن القومى في خطورتها بل أشد خطورة..