خطوة مهمة وجريئة أقدمت عليها الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإنجيلية برئاسة الدكتور القس أندريه زكي، وهي بالمناسبة إحدى منظمات المجتمع المدني الفاعلة والنشيطة في مصر، هذه الخطوة هى تنظيم مؤتمر كبير على مدار ثلاثة أيام نهاية الأسبوع الماضى بمنتجع الجلالة فى فندق تبوليب، وحضور أكثر من 160 شخصا من قادة الرأي من السياسيين والنواب الرموز الإعلامية والثقافية وأساتذة الجامعات في مصر.
المؤتمر رغم أهميته وحيويته إلا أنه كان بمثابة عودة الروح إلى قاعات المؤتمرات المصرية بالمؤتمرات والندوات والمناقشات، في وجود الحضور الفعلي وليس الفضائي والافتراضي، الذي فرضته علينا جائحة كورونا طوال العامين الماضيين. انعقاد المؤتمر وإصرار الهيئة الإنجيلية على تنظيمه وحضور هذا العدد من الضيوف والمتحدثين وفى مكان ذى طبيعة خلابة ومدهشة، يعني الكثير، فالحياة الطبيعية تعود وبقوة مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية، والتحديات والقضايا التي تواجهها مصر في المرحلة الحالية أقوى لدى مثقفيها من الاحتماء خلف شاشات الكمبيوتر والعالم الافتراضي ولابد من مناقشتها.
برنامج المؤتمر كان يبدو للوهلة الأولى برنامجا هادئا بعنوانه "المجتمع المدني وبناء الوعي.. تحديات اللحظة الراهنة" إلا أنه ومنذ الجلسة الأولى جاء ساخنا، وسط عصف ذهني وتفكير بصوت عال من المنصة والحضور في الصالة، ومنذ راح القس أندريه زكي يلقى كلمته حول دور المجتمع المدني في بناء الوعي، ودعوة السيدة سميرة لوقا رئيس قطاع الحوار فى الهيئة إلى بدء جلسات المؤتمر.
هل الوعي الاجتماعي موجود بالشكل الكافي في مواجهة ما تتعرض له مصر من حملات أكاذيب وتزييف وشائعات لهزيمة الشخصية المصرية ذاتيا؟
من المسئول عن بناء هذا الوعى؟.. هل منظمات وجمعيات المجتمع المدني-51 ألف جمعية- وهل هناك وعي ثابت طوال الوقت أم هناك وعى متحول وغير ثابت بفعل التطور التاريخي والإنساني؟.. وهل هناك وعي زائف؟.. وهل منظمات المجتمع المدني بكل ما تعانيه من أزمات ومشاكل تستطيع أن تبني الوعي وتحافظ عليه وتنميه وتعززه
الدكتور عبد المنعم سعيد، الخبير الاستراتيجى، عضو مجلس الشيوخ، يرى أن المجتمع المصرى لديه عقدة كبيرة من الغرب، والغرب هو المهيمن على الحضارة المعاصرة ولا نعرف سبب هذه العقدة. موجها الدعوة لتجديد الفكر المدنى. في حين مالت الدكتورة نيفين مسعد إلى احتمالية الوعي المزيف مستشهدة بكتاب توفيق الحكيم "عودة الوعي" في بداية حكم الرئيس السادات عن فترة حكم الزعيم جمال عبد الناصر. الجلسة لم تمر بسهولة دون مداخلات عكست حالة القلق على الوعي المصري وما يتعرض له من تأثيرات وكان رأي الحضور ان المسئولية مشتركة وليست مسئولية منظمات المجتمع المدني فقط التي تحتاج إلى تطوير مثلما قال الدكتور مسعد رضوان.
الجلسة الثانية تناولت قضية الوعي والمواطنة وقضية سد النهضة نموذجا وربما كانت من الجلسات التي أكدت الثقة الكاملة في مواقف القيادة السياسية والرئيس السيسي وتعامله مع القضية وان كانت اثارت حالة من الخوف والقلق لان النيل يمثل قضية وجود وسر الحياة كما قال الزميل الإعلامي نشأت الديهي.
الدكتورة أمانى الطويل الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قالت إن المصريين يحبون بلادهم لأنها نظمت حياة المصريين على النيل، مضيفه أن مؤسسات الدولة لدى المصريين لديها احترام كبير وإدراك المصريين لأهمية النيل مسار تاريخى طويل. وهنا يأتي دور المجتمع المدنى ان يضغط على المجتمع الدولى بضرورة توفير جهات هندسية دولية لفحص السد وأضراره.
فيما اعتبر الدكتور عباس شراقة أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة إن السد العالى حمى مصر من الجفاف كما تعودنا على مر التاريخ وليست للأمان من مشروعات السدود فى أفريقيا.
جلسة الفن ودوره في بناء الوعي ربما كانت أكثر الجلسات سخونة وتطرق الجميع مسلسلات رمضان مالها وما عليها وخطورة ما تقدمه من نماذج لتشويه الوعي أو ترسيخ مفاهيم معينة تتنافى وثوابت المجتمع المصري
وفى جلسة الاعلام دار الحوار حول مسئولية الاعلام ف صناعة الوعي ومسئوليته الكبرى في متابعة تطورات الواقع، حيث قال محمود مسلم، عضو مجلس الشيوخ، إن المواطن يحمل الإعلام دور أكبر من دوره، السوشيال ميديا لعبت دورا كبيرا فى التشويش على الإعلام، والإعلام لجأ إليه مؤخرا، ومجلس الوزراء أصبح يصدر بيانات كثيرة للرد على الشائعات.
ورأى انه ولا يوجد تنسيق بين المؤسسات الدينية أو الحكومية فى قضية الوعى والشعب يتعرض لعمليات تشويش طول الوقت، وقضية سد النهضة لا يشترط أن ينشر فيه كل المعلومات وأكيد لو فيه قرار استراتيجى لا يصح نشره.
في حين استعرض الدكتور محمد سعيد محفوظ طبيعة المؤثرين الطبيعيين على السوشيال ميديا وما يمثلونه لدى جمهورهم، مؤكدا أنه يجب أن يتم الاستفادة بهم للتأثير فى الرأى العام.
وتابع خلال عرض قدمه بمنتدى حوار الثقافات الذى تنظمه الطائفة الإنجيلية، أن النخبة تعتمد على مخاطبة الذات، ودائما تكون ردودها خشنة وتعمل على حظر التعليقات، مؤكدا انهيار السلطة الأبوية بعد 25 يناير.
المؤتمر جاء في وقته والمناقشات كانت ثرية للغاية بآراء نخبة من المثقفين في مصر والهيئة الانجيلية برئاسة القس اندريه زكي تستحق التقدير والتكريم على تنظيمها للمؤتمر.