فى ظل احتفال عدد من دول العالم بمناسبة عيد الأبفى يوم 21 يونيو من كل عام، إلا أنه ما زال هذا الاحتفال لا يتم على نطاق واسع كعيد الأم، رغم أن الأب جسر للبيت ودرع الحماية والأمان للأسرة، فوجوده بين أبنائه يعنى الإشراف والهيبة والوقار والمرتبة الرفيعة والقدوة، وبدونه لا تستقيم الحياة.
ورغم أنه يقال، "إن الابن يفطم من أمه بعد حولين ويفطم من الأب عند موته"، لأنه عماد الأسرة وسندها، فهو ليس مجرد مربى بل هو ربان للسفينة، وتزداد عظمته وقيمته عندما تهب العاصفة على هذه السفينة، وخاصة فى مراحلها الخطرة، وأخطرها مرحلة "المراهقة"، وهنا يقع الدور الأكبر على الربان لنجاة تلك السفينة من العواصف العاتية التى تواجهها الأسرة من صعاب وتحديات، يأتى سؤال مهم من المسؤول عن تقليل دور الأب أو تهميشه، فى ظل اعتقادات للبعض تؤكد أن دور الأب يقتصر على تأمين السكن والملبس ومتطلبات الحياة المادية، أو اللعب على وتر أنه الديكتاتور المتسلط الحازم فى البيت.
لذا، ونحن نحتفل بعيد الأب، علينا أن نواجه هذه المعتقدات الخاطئة، والتى تختزل دور الرجل فى الشق المادى فقط أو الديكتاتور المتسلط بالمنزل، وخاصة أن هذه المعتقدات للأسف انتشرت فى عصر الإنترنت والعالم الافتراضى، فنجد الآباء دائما يشتكون من قلة المشاعر والاحترام والعناد والعصبية، وانعدام التواصل والاتصال، فيما يشتكون الأبناء أن الآباء بعيدون عن مفردات عصرهم.
وبهذا يكون المسئول عن هذا التقليل، إما الأب بتخليه عن دوره ومهامه أو غيابه عن الصورة وحصر قيمته فى الشق المادى فقط، فيكون هو نفسه السبب، وإما أن يكون هناك اعتقاد من الأم والأبناء أن الآباء هم مجرد بنوك للتمويل فقط، فترسم العلاقة بينهم وفقا لهذا المعتقد الخاطىء، وهنا مكمن الخطورة لأنه وببساطة تكون النتيجة في كلتا الحالتين ضياع للأسرة بأكملها وتهديد حقيقى لرحلة سفينة الأسرة فمع أول تحدى تغرق ويغرق من عليها.
لذلك يجب علينا أن نعلم جيدا، أن "الأم والأب" لابد أن يكونا نموذجاً وقدوة لأبنائهم حتى تستقيم حياتهم، فالأب دائما فى نظر أبنائه ذلك البطل والقدوة الذى يقلدونه فى حركاته وتصرفاته وأفعاله، وليس بنكا للتمويل فقط، و"الأم" هى ركيزة أساسية فى حياة وتربية الأبناء منذ الولادة، لكن دور الأب يبقى أهميته من نوع آخر، وذلك من خلال تقديم الحنان الأبوى، ودرع الحماية للأبناء من كل أذى، إذن لكل دوره فى إطار من التكامل والتبادل وسنة الله فى كونه الذى ارتضاها لخلقه.
وختاما، نقول للأبناء، احتفلوا بعيد الأب بنفس قدر احتفالكم بعيد الأم دون تقليل أو تهميش، وألا تأخذون من المعاصرة والحداثة ذريعة لتصرفاتكم وأفعالكم، فسيظل الوالدين هما الجذور التى تربطكم بالحياة، فهما الأغلى على الإطلاق، وألّا ننسى قوله تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا"...