توصينا كافة الأديان السماوية بضرورة الاعتدال فى سلوكنا الاستهلاكي، دون إسراف أو تقتير، ومن غير إفراط ولا تفريط، ويحضنا الدين الإسلامى الحنيف على عدم التبذير أو البذخ، فيقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز (وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَـاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبّهِ كَفُورًا)، كما يقول نبينا الكريم فى حديث شريف«كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة».
ورغم ذلك نأتى بأفعال وسلوكيات معيشية منافية تماما لبديهيات الترشيد، ورغم محدودية الموارد لدينا، والكفاح المضنى لتوفيرها، لا نكف أبدا عن الإسراف والبذخ غير المبرر، ونتحجج بأن ما نفعله صورة من صور الكرم، وهو أقرب ما يكون إلى السفه، وأبعد ما يكون عن الكرم، فليس معنى أن تكون كريما أن تكون مسرفا فى سلوكك الاستهلاكى، فكثيرة هى صور التبذير فى تصرفاتنا، سواء فى الغذاء أو الكهرباء أو الماء، رغم أن الاعتدال فى تلك التصرفات، سيأتى بمردود مادى ووفر اقتصادى كبير لملايين الأسر فى المجتمع.
انظروا إلى أطنان الأكل التى تلقى فى القمامة يوميا، كم سيكون الوفر المالى لو اكتفت كل ربة منزل بتجهيز الأكل الذى يكفي أسرتها دون زيادة، وتخيلوا كم سيوفر كل رب عائلة من فاتورة الكهرباء شهريا، لو رسخ لدى أفراد أسرته أسلوب الترشيد، وعدم ترك إضاءة الغرف والشاشات وأجهزة التكييف والمراوح تعمل طوال اليوم، ولو كل "ست بيت" اقتصدت فى استهلاك الماء، ولم تترك " حنفية" المطبخ مفتوحة طوال اليوم لغسيل الأطباق الذى لا ينتهى، لجاءت لها فاتورة الماء بمبلغ زهيد، ولو كل منا استهلك من الماء والغذاء والكهرباء ما يكفيه وأسرته فقط، سيكون هناك وفر مالى كبير، سيعود بالنفع على الفرد والأسرة والمجتمع كافة.
فى غالبية المجتمعات الغربية، كل شخص رقيب على نفسه، يفكر بتعقل كيف ينفق ماله على احتياجاته، دون إسراف أو تبذير، فمن الطبيعى أن ترى أحدهم يدخل إلى "السوبر ماركت" ليختار ثمرتين تفاح ومثلهما برتقال وعنقود عنب مثلا وهكذا الحال، يشترى فقط ما يحتاجه دون زيادة أو نقصان، يدفع ثمنه ويمضى، فلاينظر له أحد نظرة استعلاء، ولا يواجه نظرة استنكار من البائع، فثقافة المجتمعات هناك تقوم على ذلك، فليس معنى قيام أى شخص بشراء كميات قليلة أنه بخيل، بل هو يبتاع ما يكفيه وليس بحاجة لأن يشترى كميات كبيرة يلقى ببقيتها فى سلة القمامة، فهل نرى تلك الصورة المتحضرة لدينا؟
تكريس ثقافة الترشيد لدى كافة المواطنين،مهمة ملحة وحتمية، فالترشيد فى كافة مناحى الحياة، فى الماء والغذاء والكهرباء، هى الوسيلة المثلى، للحفاظ على مواردنا الطبيعية، وبالتالى تحقيق أول شرط للوصول إلى هدف التنمية المستدامة، والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة من تلك الموارد، ولذلك يجب أن يتصف السلوك الاستهلاكي سواء للفرد أو الأسرة بالرشد والتعقل والاتزان وبحيث يكون استهلاك الفرد من الأغذية والطاقة والمياه، بالكمية والنوعية التي تفي بكافة احتياجاته هو وأسرته دون إسراف أو ترف أو بذخ.
نتمنى أن يكون لدى الجميع ثقافة الترشيد.