عودة للحديث عن تلك الكوارث المرتبطة بالإنترنت والتى لا تقل عن فوائده وإيجابياته بل ربما تزيد.
هذه الفرصة السهلة للثراء السريع والتى عادة ما تتاح بكل سلاسة لكل من يتعمد التفاهة والإثارة بطرق شاذة ومستغربة وصولاً إلى الاتجار بالبشر ومعذرة على اللفظ "شبكات الدعارة".
فقد بات مصطلح "يوتيوبر وإنفلونسر" حلما يراود الشباب والفتيات إلى أن أصبح يغازل أحلام وطموحات الكثير من الأسر الشابة، كهؤلاء الذين كانوا يتاجرون بيوميات طفلتهم الرضيعة من أجل المال والشهرة وغيرهم من النماذج المريضة التى وجدت بثراء العالم الافتراضى ما لن يتحقق حتى بالأحلام .
ولكن :
هل لنا من وقفة جادة تجاه هذا الطوفان الذى قد يستنزف طاقات الشباب ويهدرها أمام الشاشات ويضعف من قدراتهم وإقبالهم على العمل الجاد مقابل حلم التريند والثراء السريع السهل المتاح أمامهم؟
فقد شغلت الرأى العام بالآونة الأخيرة عدة قضايا خاصة بتلك الظاهرة المرعبة تربعت على عرشها قضيتى فتاتى التيك توك الشهيرتين مودة وحنين .
"وما سأشهد به بكلماتى التالية قد رأيته بعينى من باب الصدفة":
فمنذ عام تقريباً وقبل أن يعلم الرأى العام شيئا عن الفتاة الشهيرة "مودة أ" كنت بزيارة لأحد أقاربى بمدينتى وأثناء تواجدى بمحطة الوقود، شاهدت فتاة بصحبة بعض الشباب تقود سيارة بى إم دبليو أحدث موديل وما لفت نظرى أنها ترفع صوتها بشكل مبالغ فيه وتقول "مبقاش مودة …." إلى آخره، لا أعلم لماذا علق بذهنى الاسم والسلوك الذى صدر عن الفتاة.
وبعد عدة أيام قليلة وأنا أتصفح الأخبار اليومية، فوجئت بخبر ملاحقة فتاة التيك توك الشهيرة مودة الأدهم التى لم أكن أعلم عنها شيئا من قبل، فاندهشت جداً لتلك الصدفة التى صادفتها لأقرأ بعدها خبر له خلفية حقيقية وصورة ذهنية سابقة عن تلك الفتاة .
فهل يعقل:
أن تجد فتيات بسيطات كل هذه الملايين بمنتهى السهولة؟
فقد علمت حجم ممتلكات الفتاة المقدرة بملابين الجنيهات، تلك التى لم تكن لتحصل عليها بعد عمل شاق طيلة حياتها.
وكذلك "ح.ح" الفتاة الريفية البسيطة التى لم تتردد فى فعل أى عمل مشين لتحقيق حلم الثراء الإلكترونى كمن سبقنها إليه، حتى وإن كانت مهمتها إدارة شبكة إلكتونية منظمة لممارسة الرذيلة واصطياد الفتيات .
لا أعلم على من نلقى باللوم؟
على فساد الأخلاق الذى نال من المجتمع بالعقود الأخيرة والذى هو بطبيعة الحال نتاج تدهور التعليم بالمدارس والتربية بالبيوت، أم تدنى وتراجع الخطاب الدينى المعتدل الذى تربينا عليه قبل غزو دعاة التطرف والتنفير، هؤلاء الذين ما زلنا نعانى آثارهم السلبية ونحاول محوها بإحلال خطاب الترغيب والاعتدال من جديد.
أم أنه غزو الإنترنت المرعب الذى وجب التصدى لسلبياته واستغلال إيجابياته من خلال التوعية عن طريق حملات مكثفة تشترك بها كل مؤسسات الدولة المعنية بالأمر على رأسها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، وكذلك التوعية الدينية و الأخلاقية بالبيوت والمدارس.
كما أعاود ندائى بضرورة وضع مادة دراسية أساسية بجميع مراحل التعليم بداية من التعليم الأساسى حتى نهاية المرحلة الثانوية بعنوان "الأخلاق"، بجانب مادة التربية الدينية التى وجب وضعها بالمجموع، وإعادة الإهتمام بمحتواها بما يتناسب وتطورات العصر الحديث .
نهاية:
لعل قضيتى الفتاتين اللتين أعتبرهما بعض ضحايا السوشيال ميديا تكون عبرة وموعظة للجميع .
حفظ الله بلادنا وأولادنا وقيمنا وأخلاقياتنا من شرور هذا السم المعسول المسمى بالإنترنت .