الاستفتاء لا علاقة له بالتحكيم. نتائج الاستفتاءات تتغير بين حين وآخر، تتوقف على ميول ومزاج المشاركين في الاختيار، بينما نتائج التحكيم تظل ثابتة، لا يمكن شطبها أو تبديلها.
أستعير جملة الناقد الكبير كمال رمزي في مقدمته لكتاب استفتاء أفضل 100 فيلم للمرأة في السينما العربية، الصادر عن مهرجان أسوان لسينما المرأة، وذلك رداً علي موجة الغاضبين من الاستفتاء، وجميعهم تقريباً لم يقرؤا الكتاب ولم يتعرفوا على آلية الاستفتاء، الناقد كمال رمزي أشار إلى أن عشرات الاستفتاءات تجرى بشكل دوري، وأن بعض المهرجانات العربية نظمت استفتاءات لاختيار أفضل الأفلام في تاريخنا السينمائي، منها مهرجان القاهرة الدولي (1996)، بمناسبة مرور "100" سنة سينما على عرض أول فيلم مصري، ثم نظم مهرجان إستفتاءًا رائداً، طموحاً، على قدر كبير من الأهمية، وكذلك فعلت مكتبة الإسكندرية لاختيار أهم الأفلام التي حققتها السينما المصرية.
لكن بمجرد أن أعلن مهرجان أسوان لسينما المرأة عن مبادرته بتنظيم هذا الاستفتاء النوعي الموسع، الذي يخرج من دائرة السينما المصرية ويشمل السينما العربية عموماً، واجه تباينات في ردود الأفعال ما بين نصير للفكرة ومشارك في الاستفتاء، وبين متحفظ اعتذر عن عدم المشاركة، وفي الحالتين احترمنا الجميع، وبعد إعلان النتائج أدهشتنا بعض ردود الفعل نحو الاستفتاء، كما أدهست الناقد المغربي محمد بنعزيز الذي كتب معبراً عن ذلك:"سبق تنظيم استفتاءات بنفس المعايير وبنفس المصوتين ولم تثر جدلا مثل هذا الذي يخص أفلام المرأة. لذلك فالمتغير الوحيد في هذا الاستفتاء هو الجندر (يقصد النوع أو الجنس لأن الاستفتاء نوعي ويخص المرأة)، هل كان الاستفتاء ضروريا ومفيدا؟ يفترض طارح الأسئلة أن المشهد بخير بدون استفتاء وبدون نقاش. طبعا كان استفتاء أفضل 100 فيلم للمرأة في تاريخ السينما العربية مفيدا عن سينما المرأة، فهو استفتاء فتح نقاشا. وهو الدافع لهذا الاستطلاع. وقد يدفع لاستطلاعات أخرى. جرى حساب التصويت بطريقة دقيقة.
بنعزيز يرى أن هذا الاستفتاء وما يوازيه من ندوات ونقاشات هدفه دراسة التجارب الفنية وتقويمها، لفتح نقاش حول دور الفن في المجتمع، وحتى يمكن للمهرجانات القادمة أن تطرح مبادرات دعم المرأة الفنانة للدفع بالحداثة التي صنعت طفرة في طريقة تأويل العالم، ونحن نرى أن أي استفتاء مهما كان موضوعه وحيزه الزماني والمكاني لا يعبر أبدًا عن الأفضلية المطلقة، بل عن رأي المشاركين فيه وتوجهاتهم، وهذا ما كتبه الناقد أحمد شوقي في مقدمته للكتاب، مشيراً إلى أن السعي لبلوغ الاستفتاء المثالي الذي يُعبر عن الحقيقة الكاملة هو محض سراب، لأنه ببساطة لا توجد أفضلية مطلقة في الفن، وكلما كان الحديث عن أفلام رائعة كلما كانت فكرة تفضيل عمل عن الآخر فكرة عبثية. وأسمى ما قد يسعى إليه أي استفتاء أن يكون اتساع دائرة المشاركين مع خبرة كل منهم وانعكاسها على اختياراته وسيلة لبلوغ نتائج تقترب بشكل ما من تشكيل قائمة منطقية منصفة قدر الإمكان.
من هذا المنطلق أعددنا في البداية إنها قائمة استرشادية، تتضمن الأفلام العربية عن المر حسب توصيف الزميل الناقد أحمد شوقي، ضلعنا الثالث، الراسخ في هذا الاستفتاء واأة، سواء كانت المرأة موضوعها أو كانت للمخرجات العربيات حتى وإن لم تتماس مع قضايا المرأة، حسب اتفاقنا مع إدارة مهرجان أسوان، ولمزيد من التدقيق والضبط، أرسلنا إلى مجموعة من النقاد العرب؛ القائمة الكاملة للأفلام المرشحة للتصويت عليها، حتى يتسنى لهم مراجعتها وتنقيحها معنا، وكانت استجابتهم نوعاً من تفعيل العلاقة بين السينما والحركة النقدية: إبراهيم العريس (لبنان)، حسن حداد (البحرين)، ناجح حسن (الأردن)، مهدي عباس (العراق)، عمر بلخمار (المغرب)، نبيل حاجي (الجزائر)، المؤسسة العامة للسينما السورية ونضال قوشحة (سوريا)، حميد العامري (سلطنة عمان)،
تم إرسال القائمة إلى كل العاملين بمهنة النقد سواء عبر جمعيات النقاد أو بالاتصال الشخصي بهم، واستجاب نحو 70 ناقداً على اختلاف جنسياتهم ومناهجهم الفنية والنقدية، اختاروا قائمة المائة الفيلم التي أسفرت عن اختيار 65 فيلماً مصرياً مقابل 35 فيلمًا لصناع أفلام من باقي الدول العربية، وهي نسبة تعود إلى حجم الإنتاج المصري، مع ملاحظة أوردها أحمد شوقي في مقدمته وهي أن من بين الأفلام المصرية في القائمة النهائية 16 فيلمًا فقط من إنتاج العام 2000 فصاعدا، مقابل 22 فيلمًا عربيًا من نفس الفترة، مما يعكس تصاعد الإنتاج الواضح الذي تعيشه السينما في الأقطار العربية المختلفة كمًا وكيفًا خلال القرن الحادي والعشرين.
بينما كانت فاتن حمامة هي سيدة الاستفتاء، إذ تضمنت قائمة الأفلام المختارة 14 فيلماً لها، ثم تقاسمت المركز الثاني كلا من سعاد حسني وهند صبري بسبعة أفلام لكل منهما، في حين جاءت شادية في الترتيب الثالث بخمسة أفلام، أما ماجدة الصباحي فلديها ثلاثة أفلام في القائمة، ومع ذلك فإنه من الأشياء اللافتة هو الضجيج الذي أحدثه البعض عن غياب أفلام نادية الجندي من لائحة الاختيارات، وهو أمر يتعلق بتصويت النقاد ولا دخل للقائمين على الاستفتاء أو لإدارة مهرجان أسوان بذلك، فالفنانة نادية الجندي واحدة من المؤثرات في صناعة السينما برصيد يتجاوز الستين فيلماً، وقدمت نموذج المرأة القوية التي تخاطب شريحة جماهيرية عريضة، لكن عدم تصويت النقاد لأفلامها يعود لرؤيتهم، وفي الحقيقة أن الذين انتفضوا من أجل غياب نادية الجندي، ألم يلفت نظرهم غياب مريم فخر الدين وأفلامها عن القائمة، وزبيدة ثروت وزيزي البدراوي؟ ... أنا عن نفسي أدهشني خروج فيلم مثل "الآنسة حنفي" (1954) إخراج فطين عبد الوهاب، من قائمة اختيارات النقاد، فهذا فيلم تقدمي؛ طلع في زمن مبكر، مناهضاً الاستبداد الذكوري والظلم الاجتماعي للمرأة، لكنها الأمزجة وإن لم تختره؛ لا أظنها تنكر أثر البهجة لـ"الآنسة حنفي" في الوجدان.
الأمر إذن، يعود إلى اختيارات النقاد والمزاج العام الذي يعود إلى عوامل كثيرة منها العامل الزمني، وعلى أية حال فإن قراءة النتائج لابد وأن تحمل نوعاً من التأمل ومحاولة لفهمها، كنوع من التنوير والتنبه، ويبقى أن هذا الاستفتاء ليس هو الأول ولن يكون الأخير، وإنما هو خطوة مهمة أدركها مهرجان أسوان، الذي تفهم أكثر من مؤسسات أخرى كبيرة أنه فرصة للتواصل السينمائي، فيه استعادة للقديم وبحث عن الجديد وكذلك دفع لسجال مثمر، وكل شيء في محبة السينما مسموح، وكما يقول زميلي الناقد أحمد شوقي: لنا أجر المجتهد.