يتشكل العالم الذى نعيشه من مجتمعين، الأول ذلك الذى يتحرك للأمام يبنى ويعمر ويفكر ويملك مستقبلا، والمجتمع الآخر ذلك الذى يتراجع إلى الخلف، أي أنه لا توجد مجتمعات ثابتة عند نقطة معينة، فإما الأمام وإما الخلف، والفارق بين المجتمعين هو الثقة والظن الحسن بما هو آتٍ.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الفتح "يُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، تكشف هذه الآية الكريمة أن المنافقين لديهم درجة كبيرة من الاهتزاز وعدم الثقة، تمثلت فى "الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ"، أى أنهم غير واثقين تمامًا فى أنه سيقف بجانبهم ويساعدهم وأنه سينصرهم، وعدم الثقة عادة ما تنتج عنها كوارث عدة، نظير التقدم خطوة والتراجع خطوة أخرى.
وينصب الظن السىء أحيانًا على قدراتنا الشخصية وحياتنا البسيطة، فالكثيرون منا لا يصدقون ما يملكون من قدرات، ولا يدخلون فى منافسات مع آخرين ليس من باب الاستغناء ولكن من باب الظن السيء بالنفس ويعتقدون أنهم غير قادرين على العمل والمواجهة والنجاح، وأحيانا يكون ذلك صحيحا بسبب قلة التدريب ونقص الخبرة.
ومن أسوأ الكوارث التى نواجهها سوء الظن فى أيامنا المقبلة، فى أبنائنا وقدرتهم على العبور إلى المستقبل، وقديما سقطت مجتمعاتنا فى براثن الاحتلال الأجنبي بسبب هذه النظرة، فذات زمن وقفنا مشدوهين أمام الغرب، ولم نصدق أنه يمكننا مجاراتهم والتفوق عليهم، وكانت النتيجة أن صرنا تابعين لفترة طويلة من الزمن للآخر.
وخلاصة القول علينا التنبه للمشاكل النفسية التى تتراكم مع الزمن فتتحول إلى "معضلة" مدمرة لكل شيء، تلك التي تجعلنا نقف فى نقطة الصفر، والتى معناها العودة إلى الماضى السحيق.