تعد فترة معرض الكتاب فرصة ذهبية للآباء، للتعرف على مواهب أبنائهم، وتشجيعهم على القراءة والمعرفة، وإثقالهم بجوانب مهارية تشكل حياتهم في المستقبل، وخاصة أن القائمين على المعرض هذا العام يهتمون بدور نشر الأطفال وإقامة الفاعليات والعروض التفاعلية والورش الفنية لتقديم كل ما هو جديد في عالم الطفل، لذا يجب الاستفادة بهذه الفرصة، والتخلى عن الثقافات الدخيلة على مجتمعاتنا والتي انتشرت خلال الآونة الأخيرة، حيث نجد الكثير يرى أن اهتمامه بطفله يقتصر على توفير المأكل والمشرب والملبس والسفر للمصايف، معتقدا أن هذا هو الطريق السليم فى التربية، غير مدرك أن الركيزة الأساسية لبناء الإنسان هى المعرفة.
غير أن الكارثة، أن اعتقاد البعض أن اللبس على الموضة، وأكل الكباب، والالتحاق بالمدارس الخاصة، والتحدث بالأجنبية، والسكن الفاخر، والوجاهة الاجتماعية أشياء يجب توفيرها للأبناء لخلق حياة كريمة لهم فى المستقبل مهما كلفهم هذا من عناء، دون الالتفات لأهمية الكتاب والقراءة ومعرفة حضاراتنا، ومتناسيا أن فعله هذا يؤدى إلى إجهاض المواهب وطمس معالمهما، لأن كثيرا من الدراسات تؤكد أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم نحو 90%، وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى 10% ، وما إن يصلوا السنة الثامنة تصير النسبة 2% فقط،، وبالتالي فإن هذه الطريقة في التربية تؤدى قطعا على تضييع فرص اكتشاف مواهب الأبناء في هذه السن المهمة، وفور إدراك الخطأ يكون الوقت فات وانتهى وصعب العودة بعجلة الزمن مرة أخرى، وتكون أول الضحايا الأسرة نفسها سواء بالتفكك أو ضياع أحد أفرادها بداعى الحداثة والتمدين الزائف.
لذا، يجب علينا ونحن نربى أطفالنا، أن نرفع شعار "الكتاب لا الكباب" و"الهوية لا الموضة" إذا كنا نريد بناء إنسان بنور العلم النافع، وإكسابه حصانة تجعله على يقظة ووعى ليميز الطيب من الخبيث، والصالح من الطالح، ويعود ذلك بالرفعة والازدهار على حياته وأسرته ووطنه.
والجميل، ونحن نتحدث عن ضرورة اكتشاف مواهب أطفالنا والاستفادة من معرض الكتاب، أن هذه الدورة الـ52 للمعرض تعتبر بالفعل دورة استثنائية لكثرة دور النشر المشاركة، ورقى التنظيم، وتنوع المصادر والمكتبات والورش والفاعليات والندوات، وخاصة للأطفال والشباب، الأمر الذى يمثل فرصة حقيقة لاقتناء الكتب المفيدة والقصص النافعة ذات الطابع الابتكارى، والاستمتاع بالألعاب ذات الطابع الذهنى والفكرى، التى تشجع على الابتكار وتزيد من مهارات الإبداع.
بل أن جمال هذه الدورة الاستثنائية لمعرض الكتاب 2021، الدخول فى عهد الثقافة الرقمية، سواء بتصميم منصة إلكترونية ضخمة تتيح كافة الخدمات المتعلقة بالمعرض أو بإطلاق جميع الفعاليات والأنشطة افتراضيًّا على هذه المنصة، وإتاحة شراء الكتب إلكترونيا دون الحضور، ومتابعة الندوات والورش عبر هذه المنصة الإلكترونية، ليتسق ذلك مع مفردات عصر القارئ الحالى، فلا حجة ولا مبرر أمام الآباء، إذا أرادو فعلا بناء جيل متسلحا بالعلم والمعرفة لا جيلا تطمس هويته، فيصبح تائها في مجتمع لا يعرفه ولا يؤمن به.
وختاما، نقول، إذا كان الأكل والملبس من رفاهيات الحياة ومتطلباتها، فإن القراءة غذاء الروح والوجدان، وبناء شخصية الإنسان وبلورة قدراته وصقل مواهبه أمر فى غاية الأهمية يجب أن تعلن الدولة الحرب من أجلها، إذا كنا نريد عضوا نافعا فى المجتمع لا عائلا، وإذا كنا نريد أن نشارك في حضارة لا أن نكون عبئا على حضارات الأخرين، وإذا كنا نريد أبناء صالحين لا مزيفين، وإذا كنا نريد أن نكون فى مقدمة الأمم لا في ذيلها، فخلق الحضارات يأتى من بناء الأفراد فى المجتمعات..