"السيدة الأولى".. هكذا لقبت جيهان السادات، وكانت تحظى بنصيب كبير من لقبها، فهي أول امرأة مصرية تحصل على هذا اللقب، نظرا لانغماسها في العمل العام، خلال عهد زوجها الرئيس الراحل أنور السادات، بل إنها أول سيدة مصرية تخرج لدائرة العمل العام، دون منصب رسمي، وذلك فى عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، بالإضافة لتفردها بأدوار هامة، بحكم موقعها، في لحظات فاصلة في التاريخ، وعلى رأسها حرب أكتوبر، وماراثون السلام، ناهيك عن صراعات كبيرة واجهها الرئيس السادات في الداخل والخارج خلال حقبته وحتى اغتياله في عام 1981، كما أنها أبت أن تختتم حياتها دون "أسبقية" جديدة، لتكون هي أول سيدة تقام لها جنازة رسمية عسكرية، في تاريخ مصر، ويحضرها رئيس الدولة، لنجد أنفسنا أمام سيدة "متفردة"، تعد نموذجا مهما لـ"سيدة الدولة"، التي تقدر حجم المسئولية، وتمثل انعكاسا للدور الهام الذى تلعبه المرأة في المجتمع المصرى.
ولعل الملفت في حياة "السيدة الأولى"، هو قدرتها الكبيرة، على القيام بدورها، سواء في نطاق الأسرة، عبر تقديم الدعم الكبير لزوجها، في أصعب اللحظات التاريخية، بالإضافة إلى بزوغ نجمها في مجال العمل العام، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة، حيث كانت أول من دعت لتحقيق الاستقلال الاقتصادى لهن عن أزواجهن، كما أطلقت مبادرات من شأنها مشاركة السيدات في أسواق العمل، ودعمهن في تعلم الحرف اليدوية، كما أن دورها لا يقتصر في نطاقه على حقبة الرئيس السادات، وإنما امتد بعد ذلك، وهو ما تجلى بوضوح في دعمها الكبير لثورة 30 يونيو، وتأكيدها على أنها جاءت لإنقاذ مصر من مصير مجهول.
ويعد حديث جيهان السادات الداعم لثورة 30 يونيو، بمثابة شهادة مهمة، خاصة وأنها عاشت لسنوات داخل أروقة القصر الرئاسي لسنوات صعبة، خاضت خلالها البلاد معارك صعبة، سواء في مرحلة الحرب أو السلم، ناهيك عن تمدد خطر الإرهاب في الداخل، والذى طال رأس الدولة نفسه، في ذكرى الانتصار العظيم، وهى ظروف تشبه إلى حد كبير تلك التي واجهتها مصر في مرحلة "ما بعد 30 يونيو"، وإن كانت الأخيرة تفوق في صعوبتها حقبة السبعينات، حيث أصبحت التنظيمات الإرهابية، في أعقاب "الربيع العربى"، تحمل طموحات كبيرة، ولديها من الدعم الدولى، ما يؤهلها لمجاراة الجيوش النظامية، ناهيك عن معارك دبلوماسية أخرى خاضتها الدولة المصرية، في السنوات الأخيرة، تكللت بالانتصار، ولكن بعد فترات صعبة للغاية.
وهنا يمكننا القول بأن السيدة جيهان، لم تكن مجرد زوجة رئيس راحل "بطل"، وإنما كانت جزء لا يتجزأ من "البطولة" التي التصقت باسمه، سواء عبر دعمها الأسرى له، أو دعمها للدولة في عهده، بينما استمر دورها الإيجابى، حتى بعد رحيله بسنوات طويلة، عبر اسمها المقترن باسمه بعد ذلك، لتضفى المزيد من التكريم لذكراه، لتصبح امتدادا لنساء نجحن باقتدار في إثراء التاريخ السياسى المصرى، منذ حتشبسوت، التي عرف عهدها بعصر السلام في الدولة الفرعونية، مرورا بكليوباترا، وحتى نساء العصر الحديث، واللاتى لعبن دورا محوريا في دعم البلاد، على غرار صفية زغلول، والتي كانت سندا قويا لزوجها سعد زغلول، وهدى شعراوى، ولا يمكننا أن ننسى ملايين النساء اللاتى خرجن، لدعم بلادهن إبان ثورة 30 يونيو، وما بعدها، رغم تهديدات الجماعة الإرهابية باستهدافهن، فأثبت قدرتهن الفائقة على التحدى، ليضربن المثل والقدوة على الدور الذى ينبغي أن تلعبه المرأة في دعم بلادها في أحلك الظروف، حيث تبقى دائما الرهان الفائز.
تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسى، للسيدة جيهان، يحمل في طياته جانبان، أولهما شخصى، يعكس تجربتها الشخصية، ودورها الهام في تاريخ الأمة المصرية، في مرحلة، تعد من أهم مراحلها التاريخية، بينما يبقى الجانب الآخر تكريما للمرأة المصرية بشكل عام، خاصة في ظل الدور الذى قامت به نساء مصر، في السنوات الأخيرة، لدعم الدولة، خاصة في أعقاب "الربيع العربى"، حيث خاضت معارك شرسة مع "طيور الظلام"، الذين سعوا إلى استهدافها، وفرض قوانينهم الرجعية عليها، فكانت في مقدمة الصفوف في ثورة 30 يونيو، ثم بعد ذلك في المشاركة في كافة الفاعليات الوطنية، وذلك بهدف وحيد وهو تدعيم الدولة المصرية، وتقديم رسالة للعالم، مفادها التفاف المصريين بكافة طوائفهم وراء قيادتهم التي قررت إنقاذهم، من براثن الإرهاب.