لم يكن ختامها مسك كما توقع البعض لتلك النسخة التاريخية من بطولة أمم أوروبا يورو 2020، ورغم عودة الجمهور للمدرجات واستعادة كرة القدم روحها الحقيقية إلا أن ختام البطولة فى ملعب ويمبلى وفوز إيطاليا على حساب إنجلترا فى مباراة تاريخية حسمتها ركلات الترجيح، أثار حفيظة العالم، بسبب شغب الجماهير وتوجيهها إساءات عنصرية لبعض لاعبى المنتخب من أضاعوا ركلات الجزاء "راشفورد وسانشو وبوكايو ساكا" أثار إدانات الجميع، فضلاً عن أعمال العنف لبعض الجماهير فى شوارع لندن وضد بعض الجماهير الإيطالية، فى مشهد مؤسف لا يليق بحجم بطولة اليورو.
مشهد احتشاد الجماهير الإنجليزية فى مدرجات ويمبلى وخارجه وفى شوارع لندن، بل وإصرارهم على اقتحام الملعب حتى بدون تذاكر، يؤكد أن تلك الجماهير التى تنتظر لحظة االحتفال بالتتويج بأول ألقاب البطولة حتى قبل انطلاق المباراة، وهو ما أصابهم بحالة من الصدمة بعد الخسارة وضياع حلم التتويج، فجن جنونهم وخرجوا فى الشوارع وارتكبوا حالات عنف ودخلوا فى اشتباكات مع الشرطة، وكانت الصدمة الكبرى رد فعلهم العنصرى تجاه لاعبى منتخبهم، والذين صبوا عليهم جام غضبهم ووجهوا لهم إساءات عنصرية ترفضها كرة القدم والمجتمع والإنسانية وجميع الأديان، والغريب فى الأمر أن أندية الدورى الإنجليزى كثيرا ما عانت من العنصرية ونددت بها وخصصت وقتا للجلوس على الأقدام قبل المباريات للتنديد بتلك العنصرية التى طالت جميع الأندية، إلا أن هذه المرة جاءت تلك الإساءة من الإنجليز أنفسهم ضد لاعبى منتخب بلادهم.. وماذا لو علمت اتفاق لاعبى المنتخب الإنجليزى على التبرع بمكافأة الفوز (9.6 مليون إسترلينى) حال الفوز باللقب لصالح هيئة الخدمات الصحية الوطنية، فهل يستحقون تلك الإساءات؟!
ولكن من هو راشفورد وساكا اللذان تعرضا لإساءات عنصرية من جانب جماهير إنجلترا، إذا نظرنا إلى الأول والذى طالما عرف بأعماله الخيرية لإطعام الفقراء والمشردين فى إنجلترا خاصة بعد أزمة كورونا، وتوج راشفورد بجائزة لاعب العام من صحيفة الجارديان العام الماضى لإسهاماته الرياضية والاجتماعية لمساعدة المشردين والمتضررين من أزمة كورونا، بعدما ساعد فى جمع 20 مليون جنيه إسترلينى لتقديم وجبات الطعام لـ 2.8 مليون طفل فى أسبوع، كما يحرص نجم مان يونايتد على التذكير فى كل مناسبة بالدور المجتمعى تجاه تلك الفئات، مذكراً الجميع بتضحيات والدته التى عملت فى ثلاث وظائف للوفاء باحتياجات أبنائها الأربعة فى الطفولة من أجل إسعادهم على حد تعبير راشفورد نفسه.
أما بوكايو ساكا، هذا الشاب الموهوب صاحب الـ 19 عاما الذى وجد نفسه بين عشية وضحاها فى صفوف المنتخب الأول يخوض مباريات أمم أوروبا، ويشارك فى النهائى أمام هذه الحشود الجماهيرية، بل ويضعه المدرب ساوثجيت ضمن المسددين لركلات الجزاء فالأمر صعب بالتأكيد ويسأل عنه المدرب الإنجليزى الذى وضع نفسه ولاعبه صاحب الخبرات القليلة فى هذا الاختبار الصعب وكان أولى إسنادها لرحيم ستيرلينج أو جون ستونز أو حتى جاك جريليش الذى تأخر فى إشراكه وطلب اللاعب بالفعل إلا أن المدرب فضل تسديد ساكا لركلة الجزاء.
ساوثجيت هو المسئول الأول عن هزيمة إنجلترا في النهائى، بداية من اهتزازه نفسيا وبدنيا بعدما فوجئ بهدف تعادل الطليان، فبعدما كان بإمكانه اكتساح إيطاليا بعد تسجيل هدف مبكر قاده جبنه الفنى للوقوع فريسة لعبقرية مانشينى الذى يقدم كرة إيطالية أكثر تطوراً، سواء بالاستحواذ أو الهجوم بالتنظيم والذكاء، ليصنع لنفسه وبلاده إنجازاً تاريخياً فريداً، ساعده على ذلك احتفاظ المنافس الإنجليزى بكتيبة مهاجمين على دكة البدلاء، وحتى عندما دفع بهم لتسديد ضربات الجزاء أضاعوها فأضاعوا على أنفسهم حلم جيل بالكامل.
هناك بعض الأندية الإنجليزية المعروفة بعنصرية جماهيرها وعداوتها لأصحاب البشرة السمراء مثل نادى تشيلسى مثلا، وهو ما رصدته فى وقت سابق جريدة "ديلى ميل" البريطانية" عندما صنفت جماهير تشيلسى بأنها عنصرية منذ قديم الأزل، بل سبق وغنى 4 من مشجعى البلوز فى مترو باريس بعبارة "نحن عنصريون وهذا هو حالنا"، موضحة أن تلك الجماهير سبق وهتفت ضد رحيم سترلينج والنجم المصرى محمد صلاح، وغيرهم الكثير.
هل فكرت الجماهير قبل ارتكاب تلك الحماقات على تأثيرها على مستقبل بلادهم في ملف استضافة كأس العالم 2030، وما إذا كانت ستؤثر على صورة إنجلترا أمام العالم وغياب ثقافة تقبل الخسارة عن جماهيرها، وغضبها المبالغ تجاه الجماهير المنافسة وتجاه إخفاقات لاعبيها أنفسهم وما ترتب عليها من إساءات عنصرية؟!.. فهل يقرر الاتحاد الأوروبى لكرة القدم أو الفيفا إجراءات حاسمة تجاه أحداث نهائي يورو 2020، وهل تفرض عقوبات رادعة لإنهاء الإساءات العنصرية بملاعب كرة القدم؟.. هذا ما ينتظره العالم الفترة المقبلة.