لا مفر من إنهاء الشكل الحالى للثانوية العامة التى تحولت من تعليم إلى تعذيب، والدروس الخصوصية أصبحت قاعدة وأمرًا طبيعيًا غير قابل للمناقشة.. لم تعد هناك قيمة لموازنات التعليم، الطلاب لم يعودوا يذهبون للمدارس، وهو ما يهدر كل الموازنات وتكاليف الفصول والتدريس.
أصبحت المذاكرة من أجل الامتحانات، وليس أى شىء آخر، ثم ينتهى الفيلم كله بمواقع وأشخاص يسربون الامتحانات ليسقطوا أى فوارق بين الطلاب.. تطور مواقع التواصل أصبح الغش الإلكترونى يسيطر، وعجزت كل الطرق على أن تمنع قراصنة التسريبات، وأصبح موقف وزارة التعليم حرجًا.
وبالرغم من التشديدات والتحذيرات، ومضاعفة العقوبات، كانت عمليات التسريب تتحدى الجميع، ووصل الأمر لصدور قرار بإلغاء امتحان التربية الدينية لأول مرة خلال نصف قرن، واستمرار التسريبات يوميًا.
التسريبات تبدو مشكلة، لكنها كاشفة عن أزمة الثانوية العامة التى لم تعد جزءًا وممرًا ضمن منظومة التعليم، لكنها أصبحت سنة مزدحمة، تضاعف التكاليف، وتهدر الموازنة، ولا تنتهى إلى نتائج.
منذ عقود توقفت الثانوية العامة عن تقديم إضافى للتعليم، الطلاب داخل منظومة تعليم مغلقة، والثانوية عام لجنى الدرجات، وليس لتحصيل التعليم، وهناك أنواع مختلفة من التعليم تميز بين الطلاب، وهناك قطاعات لا تحصل على تعليم حقيقى، وتحاول اصطياد درجات.
كل الطرق تؤدى للتعليم، والتسريبات كاشفة لأزمة التعليم، وأزمة التدريس والفصول والمناهج، وهى طرق لا تؤدى بنا إلى مستقبل أفضل، ولا توفر تكافؤ الفرص أو تنمية القدرات، وكل عام تتراجع فرص الدخول للمستقبل.
وقد يكون مصدر التسريبات بالداخل أو الخارج، وهناك احتمالات لأن يتم ضبط بعضهم أو كلهم، لكن تبقى القضية الرئيسية، الدروس الخصوصية، ترفع دخول عدد محدود من المدرسين، وتبقى الأغلبية خارج منظومة الدخل أو التأهيل. فى الجهة الأخرى لا يحصل الطلاب على تعليم حقيقى، وفى النهاية كل الأطراف تخسر، الطلاب والمعلمون والبلد والمستقبل، ضمن منظومة مصممة للأغبياء، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك إنفاقًا مزدوجًا، موازنة الدروس الخصوصية تتجاوز موازنة التعليم.
ومهما كان الحديث عن التسريبات، فهى كاشفة للأزمة، وقد تكون فرصة لتغيير منظومة التعليم التى يتفق الكل على أنها فاشلة وغير مناسبة للعصر ولا المستقبل، لأن تسريب الامتحانات يكشف أن أزمة التعليم فى أنه يتم اختصار العملية كلها فى الامتحانات، وغياب الفوارق الشخصية للاجتهاد والقدرات والمناهج، وفى حال إنهاء هذه الصيغة لن يكون التعليم كله مركزًا فى ساعات الامتحان، إنما فى توزيع حقيقى للمناهج والقدرات على سنوات التعليم، لتصبح الثانوية سنة مميزة، لكنها ليست السنة الفاصلة، غير ذلك سيظل الانتصار للغشاشين.