تملك أوروبا ألف وجه، وهذه الوجوه المتعددة تكونت عبر الأزمنة، وهى فى ذلك مثل كل شعوب الأرض، وربما المختلف أن أوروبا سريعة التغير سريعة اكتساب الثقافات، وبالتالى وجوهها متناقضة.
وما قام به بعض الإنجليز مؤخرا من إظهار لعنصرية بغيضة ضد أصحاب البشرة السمراء من لاعبى المنتخب الإنجليزى بسبب نهاية مبارة يورو 2020 ضد المنتخب الإيطالى، كان مفاجأة للبعض الذين لم يتخيلوا أن أوروبا المتحضرة التى تحدثنا طوال الوقت عن "التحضر ونبذ العنصرية" يمكن أن يحدث فيها ذلك.
بينما مثلت هذه العنصرية عند البعض الآخر تأكيدا بأن العنصرية أصيلة ومتجذرة فى هذا المجتمع، وأن ما نعرفه ونراه فى السينما والإعلام مجرد قشرة خارجية يختبئ تحتها "محتل" اعتاد النظر إلى الآخر المختلف بدونية مقيتة.
الرؤيتان صحيحتان، أوروبا متحضرة وتحترم العقل، وفى الوفت نفسه فى داخلها عنجهية وعنصرية ولا ترى غير مصالحها، وذلك أمر طبيعى جدا، وكى نفهم ذلك علينا العودة إلى فكرة تراكم التاريخ، كل الأزمنة التى نمر بها هى بمثابة طبقات لا تموت لكنها تتراجع بعض الشىء، وقد كانت أوروبا فى أزمنة طويلة تتقاتل فيما بينها بسبب أو بدون سبب، تتصارع من أجل أتفه الأمور، وكانت السيطرة على الآخر واحتلاله فكرة أساسية لا ينفيها التقدم العلمى وعصر النهضة الذى راح يبنى الجامعات ويشجع الفنون ويمنح المنطق مساحة أكبر، ولعل الحملة الفرنسية على مصر أكبر دليل على ذلك، حيث جمعت بين العنف العسكرى والبعثة العلمية.
ما نود قوله إنه فى لحظة تاريخية معينة نظرت أوروبا إلى العالم المحيط بوصفه تابعًا ليس أكثر، تابعًا موجودا فقط لخدمة السيد الأوربى، وليس له حق يبحث عنه أو يدافع عليه.
ومرت السنوات وزاد الاعتماد على العلم، وصار كثير من الأوربيين يتعاملون بإنسانية واضحة، وراح السياسيون ينددون بما يحدث فى أفريقيا وآسيا، وبالتالى واختلفوا فعلا عن البدايات، لكن ظل فى داخل البعض منهم ذلك الهمجى الذى كان يرصد بمنظاره الغبى طفلاً أفريقيا يتسلق شجرة فى قرية نائية ويخطط لخطفه وبيعه.