أدركت جميع أندية العالم أهمية دور فرق الكشافة، أو ما يعرف بمهنة التنقيب عن الذهب فى عالم كرة القدم، منذ عقود، والتى تحاول التخفى والتنقل بين بلدان العالم للبحث عن المواهب فى سن صغيرة وضمهم للأندية لتنمية تلك المواهب فى مدارس وأكاديميات الناشئين، ومنح هؤلاء اللاعبين الفرصة مستقبلاً للتعبير عن إمكانياتهم ليصبحوا نجوماً فى عالم كرة القدم، ومن ثم تسويقهم والاستفادة منهم فى الاستثمار الرياضى وتحقيق مكاسب مالية كبيرة، حتى صرنا نسمع أرقاماً فلكية تدفع فى تلك الصفقات، وأبرزهم إيرلينج هالاند موهبة بوروسيا دورتموند والذى يطلب ناديه 200 مليون دولار مقابل التخلى عن خدماته فى الميركاتو.
رحلة اكتشاف هالاند بدأت من دورى الدرجة الثانية النرويجى فى صفوف فريق برينه، وفى ذلك الوقت رصدته عيون "ستيف والش" أحد أبرز الكشافين والذى زادت شهرته بعد تقديمه العديد من المواهب التى أمتعت ومازالت تمتع عشاق الساحرة المستديرة فى ملاعب العالم، بعد تقديمه نجماً بحجم الجزائرى رياض محرز المتألق حالياً بصفوف مانشستر سيتى، والفرنسى نجولو كانتي المتوج بدوري أبطال أوروبا مع تشيلسى وأحد أبرز المرشحين للفوز بالكرة الذهبية، بالإضافة إلى جيمى فاردى أحد نجوم ليستر سيتى المتألقين فى الملاعب الإنجليزية.
كشافو الأندية يلعبون دوراً كبيراً فى تغيير مستقبل اللاعب، وهو ما كشفه ستيف والش مؤخراً فى تصريحات نشرتها صحيفة "ذا أتلتيك" وفجر خلالها مفاجأة حينما أكد أنه بعد انضمامه لنادى إيفرتون الإنجليزي، وكان يتولى تدريبه آنذاك الهولندى رونالد كومان، عرض عليهم كشاف المواهب ضم النرويجى الشاب إيرلينج هالاند، وحاول إقناعهم بإمكانياته الفنية المتميزة، وقضى 4 أيام للاختبار داخل جدران النادي الإنجليزى، إلا أن كومان لم يقتنع بإمكانيات اللاعب الشاب، رغم طلب والده 4 ملايين إسترلينى فقط، لتنتهى المفاوضات بالفشل لعدم اقتناع المدرب الهولندى بإمكانيات هالاند، ولكن شاءت الأقدار أن يقنع العالم بموهبته وأهدافه الساحرة فيما بعد وليس كومان فقط، وأصبح هدفا لكبار أندية العالم للتعاقد معه، ومن بينها برشلونة الذى يتولى تدريبه نفس المدرب الهولندى، بعدما توهج هالاند فى صفوف دورتموند الذى يطلب حالياً 200 مليون دولار للتخلى عنه فى الميركاتو.
نجولو كانتى لم يختلف كثيراً عن هالاند، بعدما أدرك الجميع موهبته الذهبية فى ضواحى باريس، وبدأ رحلة التنقل بين الأندية حتى كانت اللحظة الفارقة فى مسيرته والتى رفض خلالها نادى أرسنال التعاقد معه فى 2016 لرفضهم دفع عمولة لوكيل أعماله، وفضلوا ضم السويسرى جرانيت تشاكا، ليتجه كانتى لنادى تشيلسي، وهو ما اعترف به ديك لو، مسئول صفقات أرسنال السابق، فى تصريحات صحفية كشف خلالها تراجع إدارة "الجانرز" عن ضم كانتى والتعاقد مع تشاكا مقابل 35 مليون جنيه إسترليني آنذاك، لتتحول وجهة اللاعب الفرنسي لتشيلسى ويتألق فى صفوفه ويتوج معه مؤخراً بدوري أبطال أوروبا، وأصبح تتويجه بالكرة الذهبية مطلباً جماهيرياً تكليلاً لمجهوده وإمكانياته المتميزة مع العملاق اللندنى.
أندية الدوري المصرى فطنت مؤخراً لأهمية التنقيب عن المواهب الدفينة، وتدعيم قطاعات الناشئين بتلك المواهب للاستثمار الرياضى وإنعاش خزائنها، فقررت إرسال مندوبين لمحافظات وأقاليم مصر لإجراء اختبارات موسعة للناشئين والبحث عن المواهب الكروية فى مراكز الشباب المليئة بالفعل بمناجم كروية تنتظر فرصة حقيقية للخروج للنور، ولكن إذا كنا نسعى للاستثمار فى تلك المواهب يجب تطبيق استراتيجيات علمية بعيداً عن أى واسطة أو محسوبية أو انتماءات كروية، وتطبيق سياسة الاحتراف بالأندية للاستثمار الأمثل فى تلك المواهب.
الخلاصة.. اكتشاف المواهب الرياضية يحتاج مهارة خاصة، "عين تراقب" إمكانيات وقدرات اللاعب وحسن توظيفه بما يتناسب مع إمكانياته، و"عقل يفكر" لمنحه الفرصة لتطوير موهبته والتعبير عن نفسه وإثبات مهاراته للعالم، ومن ثم الاستثمار وتسويقه مستقبلاً، لأن اكتشاف المواهب "صنعة" وتسويقها يحتاج "حرفنة"، ولنا فى هالاند وكانتى أسوة حسنة.