لا يمكن فهم طبيعة السوق العقارية في مصر دون دراسة واضحة لحجم العرض والطلب، والعدد الصحيح للوحدات السكنية، التي يتم تأسيسها سنوياً مقابل المبيعات التي تتحقق، مع الوضع في الاعتبار، التنوع الكبير في هذه السوق، فالحكومة ممثلة في وزارة الإسكان تطرح وحدات سكنية، وكذلك هيئة الأوقاف، بالإضافة إلى عدد من الشركات المملوكة للدولة، وكذلك الشركات الخاصة، التي تعمل في مجال التطوير العقارى، إلى جانب الأفراد وقطاع المقاولات الخاص، الذى أتصور أنه يحتل نسبة معقولة من المبيعات، إلا أنها غير محسوسة في الأرقام بشكل صريح، وكذلك القطاع الريفي الذى يؤسس وحدات سكنية وعقارات كاملة، لكنها تحتاج إلى رصد دقيق ومتابعة لمعايير العرض والطلب الخاصة بها.
حائز العقار سواء كان شركة أو شخص يرغب في الحصول على أعلى سعر عند البيع، بينما الزبون أو المستهلك أو الراغب في الحيازة يبحث عن الفرصة في أقل سعر وأفضل مميزات، وأعلى فترة تقسيط ممكنة، فالسوق يتحاج فعلياً إلى عدد كبير من الوحدات السكنية سنوياً، حتى لو كانت هناك تخمة في المعروض حالياً، إلا أن مجتمع الـ 100 مليون بالطبع لديه طلب دائم ورغبة مستمرة في شراء العقارات، لكن المشكلة الأساسية أن العرض والطلب أصبحا في اتجاه متقاطع.
العرض في الوقت الراهن لا يلتقي مع الطلب، فالبائع يرغب في تسويق سعر المتر لوحدته السكنية في أحد المدن الجديدة بـ 10 آلاف جنيه على سبيل المثال، بينما المشترى يبحث عن نفس المواصفات في ذات المنطقة، مقابل 6 آلاف جنيه فقط، لتظهر الفجوة بين العرض والطلب، في حدود 40%، وهى مشكلة لن يتم حلها إلا إذا تنازل البائع وخفض السعر بنفس النسبة المذكورة، أو قبول المشترى الأسعار المعلنة، وهذا ما يعقد المشكلة بالصورة التي نراها، ويتحول الوضع إلى أشبه ما يكون بالركود العارض أو الممتد، خاصة مع تزايد أعمال البناء بصورة غير مسبوقة في عدد كبير من المدن الجديدة بالقاهرة والمحافظات، وتأثر حجم المبيعات العقارية بشكل عام خلال العامين الماضيين نتيجة جائحة كورونا.
الوقت الراهن يحتاج إلى النظر في خريطة القطاع العقارى بصورة أكثر دقة، يمكن من خلالها البحث عن سبل للوصول بالعرض والطلب إلى نقطة التقاء واضحة، حتى يتحرك السوق للأمام، وتسير معدلات المبيعات بوتيرة منتظمة، كما كانت قبل سنوات، لذلك يجب أن تكون السوق العقارية بها فرص حقيقية وعروض تخاطب احتياجات المستهلك وتدرس إمكانياته، مع السعي إلى إنتاج بيانات ومعلومات عن هذا القطاع الهام بصورة صحيحة، يمكن من خلالها تقديم دراسة دقيقة لما يحتاجه السوق فعلياً، حتى لا نستمر طويلاً في هذا التقاطع الحاد بين العرض والطلب.
لن تنجح الشركات العقارية، سواء الكبيرة أو الصغيرة في تسويق ما لديها من وحدات سكنية إلا إذا قدمت عروضاً حقيقية تناسب احتياجات زبائنها، من حيث الموقع والمساحة ونوعيات التشطيب، والأسعار كأولوية أولى باعتبارها تحدد خيارات المستهلك، مع الاستفادة من مبادرة التمويل العقارى التي طرحها البنك المركزى، في بيع وتسويق الوحدات السكنية، وفق خطط الأسعار المعلنة في البنوك.