"عنصرية الملاعب".. عنوان يبدو مهيمنا على كافة التعليقات التي لاحقت مباراة نهائي بطولة الأمم الأوروبية "يورو 2020"، والتي توجت بها إيطاليا، على حساب المنتخب الإنجليزى، لتعيد إلى الأذهان الكثير من المشاهد المذرية، في تاريخ الرياضة، وخاصة كرة القدم، عندما يخرج الجمهور عن إطار "المكايدة" المقبولة، إلى حد الإساءة إلى اللاعبين، على أساس العرق أو اللون أو الدين، وهو ما يثير حالة من الاستياء، ليس فقط من قبل متابعى اللعبة، وإنما تمتد تداعياته إلى كافة المنابر السياسية، لتتحول القضية إلى حديث الساعة في كافة الصحف والقنوات الإعلامية، ناهيك عن التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى، والتي أصبحت تضاهى في قوتها وتأثيرها الكثير من المنصات الإعلامية البارزة.
ولعل المشهد العنصري للجماهير الإنجليزية، والذى يمثل في جوهره، سلوكا سيئا، ربما لا يجوز تعميمه، قد ساهم بصورة كبيرة، في تقويض محاولات كبيرة من قبل الحكومة البريطانية، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، عبر استغلال حالة الزخم المرتبط بالبطولة، والتي ارتبطت بصورة كبيرة بالنتائج الإيجابية التي حققتها إنجلترا منذ عقود طويلة من الزمن، خاصو وأنها المرة الأولى التي يصل فيها منتخب إنجلترا إلى نهائي "اليورو"، بل وكان قاب قوسين أو أدنى من معانقة الكأس، وهو الأمر الذى يحمل في طياته انتصارا رياضيا، ولكن تبقى الصبغة السياسية حاضرة عليها، في ظل محاولات بريطانيا الحثيثة، لاحتلال القيادة القارية رغم الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، ليتحول الفوز بالبطولة، أو حتى مجرد الوصول للمباراة النهائية لأول مرة في التاريخ، بمثابة "صك" مهم، يمكن أن يساهم في تعزيز مركز لندن القارى، عبر اللعبة الشعبية الأكبر في العالم.
ويعد استغلال الشعبية الكبيرة لكرة القدم، في تحقيق المكاسب السياسية للدول، على المستويين الدولى والإقليمى، ليس بالأمر الجديد تماما، فهناك العديد من النماذج التي تمكنت من تحقيق زخما سياسيا عبر الأحداث الكبيرة، سواء من خلال الفوز بالألقاب الهامة، أو تنظيم الأحداث الكبرى، وهو ما يبدو على سبيل المثال في البرازيل، والتي تمكنت لجذب أنظار العالم، عبر أجيالها الكروية المتواترة، والتي كتبت أسمائها بحروف من ذهب، كما يتجلى أيضا في حالة التنافس الكبيرة على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، وعلى رأسها بطولة كأس العالم، والتي تعكس التداعيات الكبيرة لمثل هذه الإنجازات، سواء على مستوى السياسة أو الاقتصاد.
محاولات لندن للفوز بقيادة أوروبا من "رحم" كرة القدم، لم يبدأ من مجرد الوصول إلى نهائي "اليورو"، وإنما بدأ قبل ذلك، عندما رفض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بقوة فكرة تدشين بطولة جديدة، تحت مسمى "دورى السوبر الأوروبى"، وهى فكرة اقترحها عددا من الأندية، بعضها إنجليزى، لتقام بشكل مستقل عن الاتحاد الأوروبى لكرة القدم "يويفا"، وهو ما يمثل محاولة صريحة لحشد موقف أوروبى موحد تحت قيادته، مستغلا الشغف الأوروبى الكبير باللعبة، مما يساهم في وضع نفسه في دائرة صناعة القرار الأوروبى، بعيدا عن الكيان المشترك.
انتصارات إنجلترا، واقترابها من منصة التتويج، كان بمثابة نجاحا مهما للكرة الإنجليزية، ولكنه يمثل في الوقت نفسه فرصة مهمة للساسة نحو تحقيق حلم القيادة الأوروبية، إلا أن المشهد العنصرى الأخير ساهم إلى حد كبير في تقويض الصورة الجميلة، التي سعت لندن لتقديمها، إلى دول القارة العجوز، عبر أداء مميز لمنتخبها، سعوا من خلاله استقطاب تعاطف الشعوب الأوروبية، خلال المباريات، وهو الأمر الذى دفع كبار الساسة البريطانيين، بدءً من جونسون نفسه إلى إدانة العنصرية التي طالت اللاعبين بعد المباراة النهائية، وهو ما يفتح الباب أمام دروس مهمة، ترتبط بالسلوك الشعبى، وتداعياته، سواء على الصورة الحضارية للمجتمعات أمام العالم، أو على دوائر صناعة القرار، وتأثيره على أهداف الدولة، وطموحاتها، وهو الأمر الذى ينبغي الانتباه إليه، في ظل حالة الانفتاح الإعلامى في زمن "السوشيال ميديا"