الدول التى تحترم تراثها وتقدره تستحق أن يحترمها الآخرون، فكرت فى ذلك عندما قرأت بيان وزارة الثقافة الفرنسية تعلن فيه تمكنها من الاستحواذ على أهم مخطوطة للروائى ماركيز دو ساد وهى "120 يوما فى سدوم"، لحفظها فى المكتبة الوطنية، وكانت الدولة الفرنسية أطلقت فى فبراير الماضى نداء لحشد الدعم من الشركات لإنجاز صفقة الاستحواذ هذه البالغة قيمتها 4,55 مليون يورو.
ووصفت الوزارة فى بيان هذه الرواية بأنها "معلم حقيقى ونص رئيسى للنقد والمخيلة"، قائلة إنها "أصبحت من الكلاسيكيات وتركت أثرا عميقا على مؤلفين كثيرين".
وجميعنا نعرف ماركيز دى ساد ونعرف شهرته وسببها، ولو فى مجتمع آخر لاعتبر البعض ضياع المخطوطة أو بيعها نصرا عظيما، لكن فرنسا فكرت بشكل مختلف في الاحتفاظ بهذه المخطوطة لأنها تراث مهم، ولذا طالبت بالكتتاب الذى نجح تماما.
أما تاريخ هذه المخطوطة فقد كان ماركيز دى ساد الذى توفى عام 1814، يظن أنه ضاع إثر نهب أو هدم الباستيل فى صيف عام 1789، لكن المخطوطة عادت إلى الظهور بعدما حصل عليها الطبيب النفسى الألمانى إيفان بلوخ وسمح بنشر الرواية لأول مرة عام 1904.
وبعدما اشتراها هاوى مخطوطات يدعى شارل دو نواى عام 1929، سرقها ناشر ثم باعها سنة 1982 لهاوى جمع آخر هو جيرار نوردمان. وفى عام 2014، انتقلت ملكية المخطوطة إلى رجل الأعمال يدعى جيرار، ولكن الحكومة المصرية اعتبرتها "كنزا وطنيا" فى عام 2017.
انطلقت فرنسا فى رؤيتها من زاوية أن التراث جزء من الهوية، وأن السماح بخروجه والتفريط فيه سيجلب مع الزمن نوعا من التهاون في مقدرات الوطن، وهو ما لا تحتمله البلدان في معركتها الدائمة للحياة.