تحدثت مع أحد الأطباء عن حوادث الإهمال الطبي المتعددة، التي نسمع عنها بين الحين والآخر، واستنكرت فكرة وجود أخطاء قاتلة في جراحات يقوم بها أطباء مشاهير في تخصصاتهم، ولهم خبرات كبيرة، وأغلبهم أساتذة في الجامعات وحاصلين على زمالات أكاديمية هامة، إلا أنه أخبرنى بالمفاجأة التي لم أكن أعرفها، وهى "مساعد الطبيب"، فكل الأساتذة الكبار لهم مساعدين كُثر، مفترض أنهم يعاونون في العمليات الجراحية، إلا أن حقيقة ما يحدث أنهم باتوا يفعلون كل شيء!
الأطباء الكبار تحول دورهم في العمليات الجراحية إلى دور إشرافى أكثر منه تنفيذى، حتى صارت غرفة العمليات أشبه بـ "حصة" في كلية الطب، بدلا من أن تكون خلية نحل لإنقاذ حياة مريض والتعامل مع الأمر بمنتهى الحساسية، خاصة مع حوادث الإهمال الطبي المتكررة، التي تؤشر إلى تحول خطير في أداء المستشفيات الخاصة، بعدما طالتها الكثير من المشكلات المتعلقة بالإهمال في التعامل مع المرضى.
بطبيعة الحال ما ذكرته في السطور السابقة هو الاستثناء وليس الأساس، فهناك أطباء كبار وأساتذة أجلاء يقومون بدورهم في غرف العمليات على أكمل وجه، ويتيحون لمساعديهم ومعاونيهم أدوار بسيطة لا تؤثر على سير الجراحة، كما أنها لا تشكل خطورة على حياة المريض، إلا أن انتشار فكرة "مساعد الطبيب" حتى في الجراحات البسيطة، بات يشكل خطورة في رسالة الطب.
قبل دخول المريض وتهيئته للعملية الجراحية، يتم التأكيد على أن الأستاذ الفلانى سوف يتولى الجراحة، باعتباره صاحب باع طويل في هذا المجال، وله خبرات كبيرة ورؤية ثاقبة، ليتحول الأمر في النهاية بعد تخدير المريض إلى تجربة وكورس تعليمى، فالطبيب المساعد يتولى كل شيء، خاصة في العمليات البسيطة مثل "جراحات الولادة" ، "استئصال اللوزتين" ، إزالة الأكياس الدهنية، لنجد أخطاء كارثية في هذه الجراحات، لأن الطبيب الكبير المسئول، صاحب الخبرات الكبيرة غالباً يحتسى قهوته الصباحية داخل غرفة العمليات ويترك " تقفيل المريض" للمساعدين!!
المشكلة الأكبر في حوادث الإهمال الطبي أن أغلبها يمر دون حساب أو عقاب، تحت شعارات وعبارات واهية، من نوعية "هو عمره كده" أو "قضاء وقدر" أو "العملية لم تكن إلا سبب فقط والمريض كان سيموت لا محالة"، فيتحول الخطأ والتقصير في حق المريض إلى سبب إلهي لموته، وهذا بالطبع ليس صحيحاً، لكنه هروب من المساءلة والعقاب، لذلك يجب أن تكون هناك عقوبات رادعة لحوادث الإهمال الطبية، ومعايير محاسبة واضحة مبنية على أسس ومعايير علمية وتخضع لرقابة المتخصصين، فما أغلى من روح الإنسان.