أحسست بالارتياح لمقابلة سفير تلك الدولة الصديقة ليبيريا بطيبته وترحابه، وبما طمأنني به من معلومات عن بلده الإفريقي اللطيف. وصارت تأشيرة الدخول اللازمة في حوزتي أيضا.
كنت ممتلئا بالحيوية والنشاط، وأتشوق لبدء أولى رحلاتي إلى أفريقيا، فأسرعت في إعداد احتياجاتي التي أعتزم اصطحابها معى لتؤنس غربتي. فاصطحبت بعضا من ملابس وشيئا مما أحب أن أقرأ من كتب وأحب أن أسمع من موسيقى، وبعض شرائط للقرآن الكريم. فلم تكن الإنترنت منتشرة في ذلك الحين، ولم يكن الموبايل قد وصلنا أيضا في مصر فى ذلك الوقت، ولم أجده في أفريقيا حينذاك أيضا. بمعنى أدق: لم أر الموبايل في يد أحد في ذلك الوقت قي منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
وقد كانت الدنيا أكثر هدوءا وسكينة مما هى عليه الآن، فكان الاتصال التليفوني هو الاتصال الأرضي فقط وحيث يوجد تليفون أرضي فقط، سواء في منزل أو في محل أو في فندق. والبحث عن معلومة يقتصر على الكتب والمكتبات، والكتابة تتم باستخدام الآلة الكاتبة العادية والكهربائية.
لم يكن هناك خط طيران مباشر من مصر إلى مقر عملي الجديد في البلد الإفريقي الصديق، فكان يتعين على المسافرين الاتجاه الى دولة ثالثة والمبيت بها، ثم معاودة الطيران في اليوم التالى لقرابة الساعة - على خط طيران محلي أو على خط طيران خاص مما يديره الشركات والأفراد في بعض المناطق - الى البلد المقصود.
وهكذا وجدت نفسي في الطريق إلى زيارة بلد ثالثة لم أزرها من قبل وهى ساحل العاج. وقد سرني ذلك حينها، فقلبي وعقلي مفتوحان متشوقان للرؤية وللمعرفة والتعارف بثقافات وبشخصيات جديدة لم أصافها من قبل. وفي منتصف الليل كنت أنا أدخل مطار القاهرة الدولي للسفر على طائرة مصر للطيران المتجهة إلى أبيدجان. كنت متحمسا بما يكفي لمرور الوقت بسرعة، بينما أراجع متعلقاتي وأوراقي وأحاول تصور حياتي المقبلة في أفريقيا.
هدأ الجو على الطائرة، فرحت أراقب بيانات الشاشة المواجهة لي في مقعدي، لأقرأ أول شىء أن المسافة التى تقطعها الطائرة حتى أبيدجان تبلغ 5000 آلاف كيلومترا، كأنها حلم طويل في ليل سرمدي. السماء والسكون والصحارى والجبال والسهول والوديان والشفق الأحمر بلا نهاية لأي منها. ولوهلة أحسست بالخوف مما أنا متجه اليه، فرحت أسأل نفسي ما اذا كان قراري بالسفر إلى أفريقيا سليما. فأنا لا أعرف ما ينتظرني وماذا يوجد خلف كل تلك الصحاري الصامتة الموحشة الحمراء.