العديد من التعريفات والمفاهيم الإجرائية التي تتحدث عن معنى "الإدارة"، وحال اللجوء إلى محركات البحث، والمواقع المتخصصة، ستجد أبسطها وأوضحها يتركز حول تحقيق أهداف معينة في ضوء توظيف مثالي للموارد المتاحة، سواء مادية أو بشرية، إلا أن الإدارة مازالت معضلة كبيرة، ارتباطاً بمجموعة المفاهيم والكلمات التي نستخدمها دائماً، مثل الحداقة والفهلوة، وقل ما شئت من مصطلحات تشير إلى غياب الضمير وندرة السعي وغياب ثقافة العمل.
الإدارة تحاصرها الكثير من الأمراض المزمنة، والسرطانات المستعصية التي غالبا لا تستجيب للعلاج ولا تهدأ بالمسكنات، بداية من الروتين، والأداء الوظيفي التقليدي، وغياب الرؤية، مروراً بالكسل والشكوى غير المبررة، والشعور الزائف بالظلم والاضطهاد، والرغبة في الحصول على إجازات بسبب أو بدون، وعشرات الحالات، التي تترجم في النهاية إلى تراجع المنظومة حتى وإن حسنت النيات.
جزء من مشكلات وأعباء الإدارة أن "المدير" يحاسب على الفاتورة دائماً، يعمل كثيراً ولا يشكره أحد، الأول في الوصول إلى مكان العمل، والأخير في الانصراف، يتحمل أخطاء الفريق ككل، حتى ولو كان دوره إشرافيا، يتعرض للهجوم والنقد دائما من المرؤوسين في السر والعلن، خاصة إن كان يراجع كل شيء ولا يقبل الأخطاء.
تجربة الجهاز الإداري للدولة، والعمل في الوظائف الحكومية خلال الـ 60 عاماً الماضية أنتجت جيل من الموظفين، يعمل بمنطق " محدش يقدر يعملى حاجة"، وهذا قادنا إلى فكرة العمل بدون جودة أو كما يقول أبناء البلد "من غير نفس"، وتلك المشكلة نعانى آثارها حتى الآن، والدولة تسعى وتجتهد قدر الإمكان لمواجهة هذه المشكلة المزمنة، لتخلق ثقافة جديدة لبيئة العمل، تعتمد على اختيار العناصر المتميزة والكوادر الفنية القادرة على العطاء.
ثقافة العمل في حاجة إلى تغيير شامل، وضبط حقيقي، يتواكب مع ما تشهده مصر من تطور على كافة المستويات، هذا التغيير يبدأ من ربط العمل بالجودة والإنتاج، فبدون هذه العناصر لن يكون للعمل قيمة، وتصبح النتيجة النهائية تحصيل حاصل، وتحرك في دائرة مغلقة وحلقة مفرغة، البداية فيها أشبه إلى الوسط والنهاية، لذلك يجب أن نسارع في تغيير ثقافة العمل بصورة تكفل التحرك للأمام، ومواكبة التطورات التي يعيشها العالم، واستلهام التجارب الدولية المهمة في كل ما يتعلق بساعات العمل وجودة الإنتاج، مثل التجربة الصينية أو اليابانية أو الألمانية، وكيف ترى هذه الدول قيمة العمل وأهميته، ودوره في تحقيق رفاهية الشعوب.