مع كل التحذيرات التي أعلنتها وزارة التضامن الاجتماعي، لعودة نشاط الحضانات مرة أخرى في ظل جائحة كورونا، التي تتضمن إلزام العاملين بارتداء الكمامات وغسل اليدين بشكل مستمر للأطفال والعاملين والحد من الأنشطة التي تتطلب مشاركة مجموعات كبيرة من الأطفال وتخصيص غرفة للعزل الطبي في حالة حدوث أي إصابة، إلا أن كل ما سبق تحول إلى مجرد حبر على ورق، فالحضانات لا تفكر في كل هذا، بل تخطط فقط لتعويض مكاسبها خلال فترة الغلق، التي أعقبت انتشار وتفشى فيروس كورونا.
الحضانات باتت أشبه بالأندية والمصايف ومراكز التسوق، والمسارح ودور السينما، فقد بات نشاطها اليومي قائم على الربحية وتحقيق المكاسب على حساب أولياء الأمور، فالحفلات لا تنقطع أسبوعياً، بداية من بيع الفشار، والوجبات السريعة، مرورا باستخدام الحيوانات الأليفة في عروض " الشو"، حتى حمامات السباحة الصناعية، التي يختلط فيها الأطفال لساعات طويلة من اللهو واللعب، مقابل 100 جنيه في اليوم الواحد، دون رقابة أو متابعة من الأحياء أو وزارة التضامن، فقد اشتكت جيوب أولياء الأمور من تلك الأنشطة الاستغلالية!
الغريب أنه بعد انتشار جائحة كورونا رفعت الحضانات أسعارها بنسب تقترب من 100%، وبات الطفل الواحد يكلف أسرته ما يقرب من 3 آلاف جنيه شهرياً، إذا كان في منطقة مميزة مثل الدقى أو المهندسين أو نصف هذا المبلغ إذا كان في مناطق متوسطة مثل فيصل أو الهرم أو بولاق، إلا أنه مع هذه التكلفة المرتفعة، تستغل الحضانات الأطفال وتمارس عليهم كل أشكال وصور التأثير وحملات من التحفيز نحو الحفلات والعروض الفنية والاستعراضية، حيث لا يجد ولى الأمر مفر من تحمل تكلفة إضافية حوالى 100 جنيه يومياً، لتصبح الأسرة أمام معضلة، فتكلفة الحضانة باتت أكبر من راتب رب الأسرة.
ما أرصده في السطور السابقة ليس نسجا من الخيال أو حكايات يرويها أحد الأصدقاء، بل واقع أعيشه من أبنائى، فكل صباح عند دخولهم إلى الحضانة تسألى المشرفة:" هينزلوا البسين النهارده ولا لا؟"، في الفترة الماضية كنت أقبل، لكن خلال هذه الأيام بدأت أرفض وبشكل قاطع بعدما تأكدت أن "كله بتمنه والحسابة بتحسب"، بل الأسوأ من ذلك أن نجلى الصغير "عمر" أصيب بنزلة معوية حادة قبل عدة أيام، نتيجة المياه الموجودة في حمام السباحة بالحضانة، التي يبتلعها الأطفال، وتتلوث مع كثرة الاستخدام، في ظل غياب المشرفين او المتابعة الجادة من الإدارة المسئولة.
يجب أن تتدخل وزارة التضامن الاجتماعي، باعتبارها مسئولة عن نشاط الحضانات لوقف ما يحدث من أنشطة تخالف الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، وتسهم في نقل العدوى بين الأطفال، بطريقة لا يمكن السيطرة عليها، خاصة أن الأشهر المقبلة سنكون على موعد مع موجة جديدة من الفيروس المستجد، وقد يصل متحور دلتا إلى مصر، الذى يشكل خطورة بالغة على الأطفال وصغار السن.
لا يمكن أن تكون الحضانات مجرد مشروعات هادفة للربح، بل هي في الأساس مؤسسات تعليمية وتربوية لا يقل دورها عن المدرسة، لذلك يجب مراقبة دورها وتحديد أسعارها من خلال وزارة التضامن والجهات المعنية المسئولة، حتى لا يتحول الأمر لمجرد مشروعات استثمارية، يؤسسها البعض للحصول على عوائد خيالية لا تتوفر في أي صناعة أو تجارة بمصر، خاصة أن أربحاها تصل إلى 500%.