بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه.. وبعد.
فنواصل الحديث مع هذا الشهر الكريم ونفحاته، رجاء أن نكون ممن يحصلون على الأجر العظيم الذى اختصه الله عز وجل لعباده الصائمين.
لقد قلنا فى اللقاء السابق إن من أهم الأعمال التى توصل إلى الحصول على الأجر كاملاً، هو أن يخلص الإنسان لله عز وجل فى صومه، فيكون صياما خالصا لله عز وجل.
ومقتضى الإيمان أن يخلص الصائمون نيتهم فى صومهم لله تعالى الذى فرض عليهم هذه العبادة، كغيرها من العبادات، والأصل فى كل عبادة يؤديها المسلم لربه، أن يكون مخلصاً فيها لله تعالى، لا يشوبها شىء من إرادة غيره جل وعلا؛ لأن إرادة غير الله تنقص الأجر، وتحبط العمل. ولذلك يقول القرطبى: «لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطَّلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال: «يدع شهوته من أجلى»، وكما قال الإمام أحمد: لا رياء فى الصوم، فلا يدخله الرياء فى فعله، من صفى صفى له، ومن كَدَّر كدر عليه، ومن أحسن فى ليله كوفئ فى نهاره، ومن أحسن فى نهاره كوفئ فى ليله، وإنما يُكال للعبد، كما كال.
والصوم هو أكثر الأعمال التى يمكن أن يتحقق فيها الإخلاص؛ لأنه سرّ بين العبد وخالقه لا يطلع عليه إلا رب العالمين؛ ولذلك أخفى رب العالمين أجره.
وماذا يريد الإنسان بعد أن يصل بصومه إلى تقوى الله عز وجل أن يكون تقياً فى سلوكه فى اعتقاده فى تعامله مع الناس فى خوفه من الله عز وجل فى إخلاصه لله تعالى، يتحلى بالتقوى سلوكا ومنهجا واعتقادا، يألف أعماله ظاهرا وباطنًا، يتقى الله عز وجل يعبد الله عز وجل، كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإن الله يراه، إذا أخلص لله، وإذا اتّقاه، وكان من عباده المخلصين، وكان من عباده الناجين.
ويكون الإنسان تقياً إذا ابتعد عما حرمه الله تعالى، وإذا لازم ما أمره رب العالمين بفعله انتهى عما نهى عنه، وأطاع فى ما أمر به، وتعامل من أجل آخرته، لا من أجل دنياه تهون عليه الدنيا، بما فيها من أجل مرضاة الله عز وجل فى الآخرة، فهو المقصد وهو المغنم الذى يسعى إليه، وهو النجاة فى الآخرة.
وسلامة الموقف بين يد الله عز وجل، هو ما يقصده المرء من أعماله كلها، ومنها الصوم الذى يصوم فيه لله رب العالمين تصوم فيه الجوارح ويصوم فيه القلب؛ فالصيام على مراتب، وعلى درجات كثيرة أعلاها ما يوصل إلى تقوى الله تعالى، وهو أن تصوم الجوارح ويصوم القلب، عما حرم الله عز وجل، ولا يفطر إلا على ما أحله رب العالمين له.
هذا هو الصوم، وهذه هى تقوى الله عز وجل، لمن أرادها، ولمن أراد أن يخرج من صومه تقياً ورعا، تعلم فى مدرسة الصوم، وهذب من سلوكه وأخلاقه وأعماله، وتخلص من تسلط الدنيا، وغلبت النفس والشيطان عليه.
وهناك المزيد من الأمور التى ترفع درجات الصائمين عند ربهم عز وجل نواصلها فى لقاءات قادمة بإذن الله تعالى.