ننشغل دائمًا بالبحث عن إجابات لأسئلة كبرى، فنتأمل ما يحيط بنا، ونشك فى كل ما نسمع ونقرأ، ونضع المناهج المختلفة ونستمع إلى آراء الآخرين المتنوعة والمتناقضة، ونستخدم المنطق والحسابات، مع أن الإجابة عادة ما تكون أقرب إلينا مما نتخيل وأبسط مما نظن، إنها فى أنفسنا ولكننا لا نبصرها.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الذاريات "وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" وهى آية حكيمة تأتى حكمتها من إجابتها القاطعة ودلالتها الواضحة، فجميعنا ينظر خارج نفسه، ولا أحد يتأمل نفسه فيرى أنه جاء من اللاشىء تقريبا، وأنه شخصيًا جاء من نطفة لا معنى لها فى حد ذاتها، إننا لا نتأمل كيف أصبحنا أقويا من بعد ضعف شهد به الجميع، وكيف أصبحنا مسئولين بعدما كنَّا عالة على أهلنا، وكيف تغيرت ملامحنا مع الزمن، وكيف نتحرك ناحية الموت فى خطوات معلومة دون أن نقدر على منعها أو إيقافها.
لا شيء مثل النفس يخبرك الحقيقة، لأن نفسك لا تستطيع خداعك ولو حاولت ذلك من باب الشفقة عليك أو تحديك فإنها لن تنجح، فهى مجبرة أن تخبرك عن نقاط ضعفك ونقاط قوتك، هى التى تبصر فرحك ودمعك، ستقول لك ولو صفق لك الآخرون أنت "لم تنجح"، وستصفق لك ولو خذلك الجميع لكونك انتصرت لإنسانيتك.
عليك العلم بأنك أنت ونفسك عالم مكتمل، لذا فإن مراقبتها ستجيب لك عن الأسئلة الكبيرة والصغيرة. وجسدك أيضا مفتاح مهم لفهم الحياة، فما بين الضعف والقوة والعودة للضعف تكتمل الحكمة ويفهم الإنسان نفسه، ويعرف أنه ليس في حاجة لمحاكمة الدنيا كلها كي يفهم ما غاب عنه، بل عليه أن يردد على قائلا "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ".