كان مشهد احتشاد السوريين أمام لجان الانتخابات الرئاسية، فى الداخل، وأمام السفارات فى الخارج، والتى أجريت مايو الماضى، مذهلا، لم يتوقعه أكثر المعارضين والكارهين للنظام السورى، كان المشهد رسالة وعلامة فارقة فى الكفر بالفوضى والمذابح التى ارتكبتها ميليشيات التنظيمات الإرهابية، وفرار الملايين خارج بلادهم، ليقيموا فى مخيمات الإيواء على الحدود.
الحشود كانت بالآلاف من المواطنين بكل طوائفهم المختلفة، وهو ما دفع عددا كبيرا من المعارضة السورية، إلى طرح السؤال الجوهرى: ما هو السبب الحقيقى وراء احتشاد مئات الآلاف فى الشوارع السورية للذهاب إلى اللجان الانتخابية والوقوف فى طوابير طويلة، فى حرص بالغ على الإدلاء بأصواتهم، ليس فى الداخل السورى فحسب، ولكن فى خارج البلاد أيضا، حيث كانت الحشود أمام عدد كبير من السفارات السورية؟
والإجابة واضحة وضوح الشمس، لكن غابت عمدا عن أذهان كل من يتدثر بالعباءة الثورية، ويحمل لواء المعارضة، فالمواطن السورى، مثله مثل كل مواطن شهدت بلاده اضطرابات وفوضى، تحت عنوان خادع «ثورات الربيع العربى»، والتى حملت شعارات وردية، وبشرت بالنعيم، وسرعان ما اكتشف المواطن البسيط قبل المثقف أن من اعتلى منبر التبشير بهذه الأحلام الوردية، كانوا تجار شعارات وتجار دين، وما النعيم سوى فوضى وقتل وإرهاب وخوف ورعب وتكفير سياسى ودينى.
هذه الحقائق أدركها المصريون مبكرا، ثم الأشقاء فى تونس مؤخرا، وتسللت إلى سوريا وليبيا، وأن هناك استفاقة وعى بعد غياب عقلى بفعل خمر الثورة، وهناك تحرر من الوهم الذى سيطر عليهم فى بداية ما يطلق عليه اصطلاحا كاذبا «الربيع العربى»، بعد ما عاشوه من خوف ورعب وقتل وإرهاب ودمار، وتمزق لبلادهم، وسيطرة الميليشيات الإرهابية على كل مناحى الحياة طيلة أكثر من 10 سنوات!
استفاقت ليبيا أيضا، وتوحدت صفوف القوى الوطنية، استفاقت من سكرة خمر الثورات، وأعلنت غضبها وسخطها على الميليشيات والتنظيمات الإرهابية والمرتزقة الذين جاءوا إلى ليبيا من كل حدب وصوب، وهو ما دفع شرفاء ليبيا للقفز فوق الخلافات الأيدلوجية، والتناحر الفئوى، لإعادة استقرار البلاد، وبث الأمن والأمان، وطرد الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، والمرتزقة.
خروج السوريين فى حشود أمام لجان الانتخابات الرئاسية، فى الداخل والخارج، واشتياق الليبيين للأمن والأمان والاستقرار، والتقدم والازدهار، وخروج التونسيين لطرد الإخوان من المشهد السياسى للأبد، ومن قبل هؤلاء جميعا الخروج المزلزل للمصريين فى ثورة 30 يونيو 2013 إنما يؤكد - بكل الأدلة الدامغة - أن الشعوب استفاقت من خمر الثورات، وتحررت من أوهام تجار الدين والكلام والشعارات، ورفضت قطعيا مقايضة الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار، بالفوضى والخراب والدمار.
نحن - وفى هذه المساحة - لا نعضد نظاما بعينه أو نعارضه، فهو حق أصيل للشعوب ترى ما تشاء، ولكن نحن هنا نحترم ونُعلى من شأن حق الشعوب فى الاختيار، والشعوب قالت كلمتها بشكل صارخ فى معظم الأوطان العربية والأقطار الإسلامية، مفادها باختصار: «نرفض الجماعات والتنظيمات والميلشيات الإرهابية».