خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ومنحه العقل، ولكن الإنسان كان له رأى آخر، فراح يتخلى عما رزقه الله وفضله به عن كثير من خلقه، ولعل قصيدة أمل دنقل "سفر التكوين" كاشفة عن هذه الحالة إذ يقول:
قلت: فليكن العقل فى الأرض/ تصغى إلى صوته المتزن/ قلت: هل يبتنى الطير أعشاشه فى فم الأفعوان/ هل الدود يسكن فى لهب النار/ والبوم هل يضع الكحل فى هدب عينيه/ هل يبذر الملح من يرتجى القمح حين يدور الزمن؟
تذكرت هذه القصيدة وأنا أقرأ أن اليوم ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية فى 16 أغسطس من سنة 1945، هذه النهاية المفجعة لحرب كارثية، كانت نهايتها مشهد لن ينساه العالم حيث مئات الآلاف من المدنيين اليابانيين يقتلون بسلاح بشع اسمه القنبلة الذرية أطلقته أمريكا بكل قسوة العالم، وليس مرة واحدة بل مرتين، يقول أمل نقل:
ورأيت ابن آدم وهو يجن، فيقتلع الشجر المتطاول/ يبصق فى البئر/ يلقى على صفحة النهر بالزيت/ يسكن فى البيت؛ ثم يخبئ فى أسفل الباب قنبلة الموت/ يؤوى العقارب فى دفء أضلاعه/ ويورث أبناءه دينه واسمه وقميص الفتن.
الشيء المؤكد أن العالم أجمع لم يتعلم شيئا من هذه الحرب، لقد خاض بعدها حروبا كثيرة، بأشكال مختلفة منها المباشر ومنها ما يطلق عليه حروب بالوكالة ومنها ما سمته الكتب الحرب الباردة، وخلاصة ذلك كله أن العقل غائب وأن الرغبة فى التوحش ظاهرة، يقول أمل دنقل:
أصبح العقل مغترباً يتسول، يقذفه صبية بالحجارة/ يوقفه الجند عند الحدود/ وتسحب منه الحكومات جنسية الوطني/ وتدرجه فى قوائم من يكرهون الوطن/ قلت: فليكن العقل فى الأرض، لكنه لم يكن/ سقط العقل فى دورة النفى والسجن حتى يجن/ ورأى الرب ذلك غير حسن!