بإعلان نتائج الثانوية العامة 2021، نحن أمام نتيجة مختلفة من حيث نسب النجاح والمجاميع، التى حصل عليها التلاميذ، وهو اختبار لأربع سنوات من التطوير فى العملية التعليمية، من سنوات بعيدة لم تصدر نتيجة الثانوية بهذه النسب، واختفت المجاميع الفلكية، بعد تغيير فى نظام الامتحانات، بهذا العام كانت الأرقام مختلفة، 74 % نسبة النجاح - 76 % فى الشعبة العلمية و70 % الشعبة الأدبية - وعدد الطلاب الذين حصلوا على النسبة من 90 % حتى 95 % فى الشعبة العلمية نحو 20 ألف طالب، ولم يحصل أى طالب على الدرجة النهائية فى أى مادة، و47 طالبا هم أوائل الثانوية العامة 2021.
نحن أمام نتيجة وأرقام وإحصائيات مختلفة، جاءت بعد جدل حول شكل ومضمون الأسئلة، التى تقيس مستويات الفهم والتحليل، وهو محور التغيير فى الثانوية، ونتاج بنوك الأسئلة ومواصفات الامتحانات والتصحيح الإلكترونى لأول مرة.
وزارة التربية والتعليم قالت: تمت مراعاة صعوبة الأسئلة أثناء تصحيح أوراق الإجابة، وأخذت شكاوى الطلاب من صعوبة الأسئلة فى الاعتبار، ومعروف أن نظام الامتحانات هو أول نقطة ضعف فى التعليم، وأول نقطة يبدأ منها العلاج، فقد تحولت الامتحانات على مدى عقود إلى غاية، وليست وسيلة، لاختبار الاستيعاب والفهم من جهة الطالب.
بالطبع، فإن المجاميع المنخفضة تجعل التنسيق منخفضا، والرهان على أن السنوات المقبلة تنهى عمليات الغش، وليس المقصود هو الغش فى أوراق الإجابة، لكن الغش القائم على الدروس الخصوصية، والكتب الخارجية والملخصات مثلت أكبر عملية غش فى نظام التعليم، حيث تخرج طلابا لا يعتمدون على أنفسهم، بعضهم يحصل على مجموع كبير ويتراجع فى الجامعة، الكتب الخارجية والملخصات والمراجعات جزء من الغش، حولت التعليم إلى نظام فاشل، الدروس الخصوصية والملخصات مع نظام امتحانات جامد، انتهى بنا إلى ما وصلنا إليه.. ثم إننا نخصص موازنة ضخمة للتعليم العام، وبجانبها موازنة ضخمة للدروس الخصوصية، كل هذا لم ينتج تعليما جيدا.
كانت الثانوية الرمز المتجسد لانهيار التعليم، و«كان المواطن مريضا بالثانوية العامة»، فهل يمكن أن نشفى من هذا المرض الصعب العضال، ونغير المناهج، وندرب المعلمين بما يناسب نظام الامتحانات القائم على الفهم والفرز والبحث.
وربما تكون الخطوة المهمة توحيد نظام التعليم، لأننا نحظى بأنظمة تعليم متعددة، حكومى عادى وتجريبى ومعاهد قومية، والخاص عادى ولغات و«إى. جى» وأمريكى إلخ.. ما يجعلنا أمام أجيال لا تعرف بعضها، وتطوير التعليم يواجه مصالح وقطاعات واسعة ربحت من فوضى التعليم.. كتب خارجية، ودروس خصوصية، ومراكز وتجار امتحانات هم من يخاصمون التطوير، ويروجون لأصنام تحكم المستقبل، لا نقول إننا وصلنا إلى التطوير الشامل، لكننا قطعنا خطوة، نعلم أن هناك من لا يزال يحمل تجاهها شكوكا ومخاوف، وهى مخاوف مشروعة، طالما ارتبطت بالأسر، لكن الأهم أننا تجاوزنا عنق الزجاجة، ويمكن أن نبنى على ما تحقق، بصرف النظر عن الأشخاص.
ربما يكون إنهاء آلام الثانوية العامة بداية الخروج من واقع تعليمى شكلى إلى حقيقة تقود إلى مستقبل أفضل، وأن تكون الثانوية العامة مناسبة ليفرح التلاميذ وأهاليهم بنتيجة التعب والسعى والفهم والمذاكرة. ينظرون للمستقبل فى تفاؤل، وينتهى شعور الحزن والخوف، كأن التلميذ وأهله فى مأتم متواصل وخوف ورعب، فمن حصل على مجموع كبير يريد أكبر، ومن حصل على مجموع ضعيف أيضا يريد أكبر، لإرضاء آخرين وليس لإرضاء نفسه وطموحه، ويظل طوال الوقت خائفا من «بعبع» لا يعرف له ملامح.
ثم إن سوق العمل لا علاقة له بأعداد وتخصصات الخريجين، والتقسيم القديم للقمة والقاع فى الكليات أو التفرقة بين الفنيين وأصحاب المؤهلات العليا، هو الذى خلق تقسيما لا علاقة له بالنتيجة وطبيعة العمل، فالمثل الأعلى قد يكون عالما أو لاعب كرة أو طبيبا أو مهندسا أو معلما، بينما المكاسب ترتبط أكثر بأهم حاجات الإنسان، الطعام والملابس والفسح والترفيه، فعليا كل مهنة فى العالم مهمة، وكل شخص مهيأ للقيام بدور ما، لكن ما نراه بعيدا عن كل هذا.