أثارت قضية زواج البارت تايم جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعى، ما بين "مؤيد" يرى أنه يقوم على الرضا والقبول ويساهم في حل مشكلة المطلقات، و"معارض" يرى أنه يسهل الزنا والترويج للفاحشة، ويجعل المرأة المصرية دمية جنسية.
الحكاية، تبدأ من مبادرة تم إطلاقها الأيام الماضية، فكرتها قائمة على مبدأ زواج المطلقات من فى سن العشرينيات ومعهن أطفال، من شاب لم يسبق له الزواج، أو متزوج ولديه القدرة على الزواج، على أن يكون هذا الزواج لمدة يوم واحد فقط فى الأسبوع، وبهذا يتم حل أزمة المطلقات اللاتى بلا مأوى أو معيل.
لكن نعتقد أن مثل هذه المبادرات الغرض منها الشهرة والانتشار بداعى الحداثة، حتى ولو على حساب الشرع أو القيم والأصول، بل العجيب أن هذه الدعوات يطلق عليها دعوات تنويرية، ويتجاهل أصحابها أن مثل هذه الأشياء تهدد وتزعزع القيم الأسرية، وتضرب الثوابت الدينية والأخلاقية في المجتمع في مقتل.
ثم إذا كان هناك مشكلات فيما يخص زيادة المطلقات، أليس من المنطق والمعقول البحث أولا عن الأسباب الجذرية للمشكلة التى أدت لتفاقمها، ويكون الأولى مبادرات للتوعية تناقش هذا الشأن، ونموذجا على ذلك من باب الذكر لا الحصر، قضية المغالاة فى المهور التى تؤدى قطعا لزيادة الخلاف والتطليق، وكذلك قضية التقليد الأعمى لمجتمعات غربية قائمة على الانحلال، حيث يتم تقليد تلك المجتمعات في المأكل والملبس والحياة، أليس هذه القضايا هى التى تحتاج إلى مبادرات توعوية للشباب والفتيات حتى لا يقعوا فى هذه المشكلة، وأليس الأفضل بدلا من المطالبة بمثل هذه المبادرات التى تضرب قيم المجتمع يكون هناك حوار مجتمعى لشرح والتعريف بقانون الأحوال الشخصية لمراجعة الجوانب السلبية ومعالجة مثل هذه الظواهر لكنها تكون معالجة حقيقية لأن تشرف عليها وتصدرها السلطة التشريعية بالدولة، وأليس من الأحرى أن تكون هناك مبادرات توعية لأهالينا، وحثهم على اتباع الأصول في تربية أبنائنا على التفاهم والقيم حتى لا يتجرعون مرارة مثل هذه الأمور بعد الزواج ويكون الطلاق نهاية مأسوية لهم، ونحثهم على الاختيارات أثناء الارتباط بأن تكون اختيارات سليمة قائمة على الأصول والقيم الأخلاقية وليس الجرى وراء المال والمنصب والوجاهة والمفخرة؟
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة حول زواج البارت تايم ، هل يعقل التنازل عن حق الإقامة الكاملة للزوج فى منزل الزوجية مقابل تواجد الزوج فى أوقات محددة من الأسبوع وإتمام الزواج بشكل كامل فى هذه الأيام، وكأنها عملية "استلاف" للزوج من زوجته!!
عموما ومهما كان الموقف، ومهما كانت الآراء حول هذه زواج البارت تايم ، فإن علماء دار الإفتاء قد حسموا هذا الجدل، وهنا نتحدث عن مؤسسة دينية متخصصة لها حق الفتوى دورها ومهمتها ضبط مثل هذه الأمور، حيث حذرت من إطلاق أسماء جديدة على عقد الزواج لحب الظهور والشهرة وزعزعة القيم، مؤكدة أنه لا ينبغي الانسياق وراء مثل هذه الدعوات لأن هذا يُحْدِث البلبلة في المجتمع، ويؤثِّر سَلْبًا على معنى استقرار وتماسك الأسرة التي حرص عليه ديننا الحنيف عليها، وأن مثل هذه الأمور تؤدى إلى بطلان صحة العقد، فالزواج الشرعي هو ما يكون القصد منه الدوام والاستمرار وعدم التأقيت بزمنٍ معينٍ، وإلَّا كان زواجًا مُحرَّمًا ولا يترتب عليه آثار الزواج الشرعية.
وختاما، لا نملك إلا أن نقول إلا ما ذكره جلً شأنه في كتابه العزيز، "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"..