لا تمنح المناهج التعليمية عبد الله ابن الزبير (1 – 73 هجرية) حقه، وحتى خطب المساجد لا تضعه فى مكانته التى يستحقها، والمؤرخون يظلمونه أيضا فيعترفون ببنى أمية دولة شرعية وينكرونه، لذا كبرنا ولم نعرف عنه الكثير، فالمشهور عنه فقط أنه أول طفل يولد للمهاجرين فى المدينة، فقد هاجرت السيدة أسماء بنت أبى بكر زوجة الزبير بن العوام رضى الله عنهما وقد تم حملها، وعندما ولدته حمله جده أبو بكر الصديق وطاف به المدينة، لأن ميلاده قضى على شائعة نشرها اليهود بأن المهاجرين سينقطع نسلهم هنا.
ونعرف عن عبد الله بن الزبير أنه كان طفلا شجاعا، وهناك قصة بعض الكتب تنسبها للنبى عليه الصلاة والسلام وكتب أخرى تنسبها للخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، مفادها أنه فى موقف ما فر الصبية وثبت عبد الله بن الزبير، فقال له النبى "أنت ابن أبيك" وكان الزبير بن العوام معروفا بشجاعته.
هذا ما اهتمت به الكتب المدرسية وخطب الجمعة، لكنهم لم يحدثونا كثيرا أنه كان أميرا للمؤمنين أكثر من اثنى عشر عاما، بايعه الناس فى الحجاز واليمن والعراق وبعض مدن الشام، وذلك منذ سنة 61 هجرية وحتى سنة 73 هجرية وكان يرسل الولاة ويعزل ويبعث الجيوش ويدير دولته، ظل كذلك حتى حاصره الجيش الأموى الذى كان يقوده الحجاج بن يوسف الثقفى فى الكعبة المشرفة، بعد نحو عام أو أكثر قليلا من مقتل مصعب بن الزبير الذراع القوية لعبد الله والذى خسر بموته الكثير.
ظل عبد الله بن الزبير أميرا للمؤمنين أكثر مما ظل يزيد بن معاوية وعبد الحكم بن مروان، ونحو ثمانى سنوات من حكم عبد الملك بن مروان، نعم كان دولة موازية، وكان فى لحظة ما أقوى من الدولة الأموية، لكن المؤرخين لم يمنحوه حقه.
عندما تقرأ عن عبد الله بن الزبير سوف تعجب بتدينه وورعه وشجاعته، لكنك ستلمح فى طبعه "صعوبة" فى ظنى أنه ورثها عن والده الزبير بن العوام، ولكن الإحساس الأكبر الذى وصل إلىَّ أنه كان إنسانا مسكونا بحزن دفين.