"الرهان على العراق".. شعار رفعته الدول العربية، منذ عدة أشهر، بما يحمل قراءة عميقة للمشهد الدولي ومستجداته في المرحلة الراهنة، ناهيك عن التغير الكبير في أولويات الولايات المتحدة، ابتعادها النسبي عن دوائر تحالفاتها التقليدية، ليس فقط في الشرق الاوسط، ولكن في العديد من مناطق العالم، وعلى رأسها القارة الاوروبية واسيا ومنطقة الشرق الأدنى، وغيرها.
ولعل قرار واشنطن بالانسحاب من العراق، والمقرر في ديسمبر المقبل، كان متوقعا، الى حد بعيد من قبل قطاع كبير من المتابعين للمشهد الدولي، في ضوء قرارات اخرى، منها الانسحاب من افغانستان، بل والاكثر من ذلك التلويح المتكرر في عهد ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي "ناتو"، في صفعة قوية لما يسمى بالمعسكر الغربي، وانقلاب صريح على قوانين الحرب الباردة التى ارستها امريكا نفسهل منذ عقود طويلة من الزمن.
إلا ان تبعات الانسحاب الأمريكي من العراق سيحمل تداعيات كارثية، في ضوء المخاوف الكبيرة جراء احتمالات عودة تنظيم داعش الارهابي الى الواجهة، لتحقيق حلم الدولة المزعومة، حيث تبقى حالة الفراغ المترتبة على الخطوة الأمريكية بمثابة فرصة لهم لتعويض النكسات المتتالية التى لاحقتهم سواء في سوريا او العراق بفضل الجهود الدولية التي اثمرت عن دحضهم.
وهنا كان الاستباق العربي الناجح للاحداث في العراق، حيث اتجهت مصر لتقوية العلاقة معها عبر تحالف ثلاثي مع الاردن، وذلك لتعميق الترابط بين بغداد ومحيطها العربي، من خلال تعاون شامل، يحمل العديد من الأبعاد السياسية والاقتصادية والامنية، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في تخفيف حدة الاستقطاب والتجاذب الاقليمي الذى لعب الدور الاكبر في حالة عدم الاستقرار وتفشي نزعات الإرهاب والتطرف في السنوات الماضية.
التحرك المصرى تزامن مع تحرك عربي مشابه، تجلى في زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الى بغداد في مارس الماضي، وحرصه على لقاء مختلف الأطراف هناك، لتكون بمثابة رسالة مهمة مفادها التمسك بهوية العراق العربية، لتقويض الاستقطابات الاقليمية باكبر حد ممكن.
ومن هنا، كان مؤتمر بغداد الذى انعقد مؤخرا بمثابة خطوة جديدة، تعكس احساسا عاما بالخطر، ليس فقط في الدول العربية وإنما كافة القوى الاقليمية الأخرى والمتداخلة هناك، بالاضافة إلى فرنسا الطامحة للقيام بدور أكبر على المستوى الدولى، ليتخذ الرهان العربي منحى جديد، يتجاوز مجرد اضفاء غطاء العروبة على العراق، وانما يمتد الى ما يشبه ميثاقا اقليميا ودوليا لحمايتها من المخاطر المحدقة بها.
الرهان العربي في العراق، لا يقتصر على حماية الهوية، او الامن الاستقرار فقط، وانما يمتد الى تحويل مستقبل العراق الى ما يشبه رهانا دوليا، لا يتوقف عند الدعم المالي او الاقتصادى، فيما يسمى باعادة الاعمار، ولكن يمتد ليكون دعما شاملا، يقوم في الاساس على مكافحة الإرهاب عبر معالجة أسبابه، والظروف التى آلت إليه، سواء فكريا او اقتصاديا او تنمويا او سياسيا، مما يساهم فى تحقيق قدر كبير من النجاح.