مع الإعلان عن الجمهورية الجديدة فى مصر التى تشهدها نهضة كبيرة من رفع كفاءة البنية التحتية وتدشين آلاف الكيلومترات من الطرق وبناء مجتمعات عمرانية جديدة ومدن الجيل الرابع، إلا أن الحفاظ على ما أنجزه الرئيس عبد الفتاح السيسى يحتاج إلى رغبة حقيقية من المواطنين للحفاظ على هذه الإنجازات والمكتسبات، نحن نحتاج فعليا لتغيير سلوكيات شريحة من المواطنين لا تكترث بالدور الواجب القيام به لزاما للحفاظ على مصر الجديدة.
"النظافة" أحد أبرز السلوكيات التى نحتاج إلى تعظيمها لدى المواطنين خاصة فئة الشباب والأطفال خلال الفترة المقبلة وتكثيف الحملات التوعوية لإرساء قيم سامية تحتاج إلى ترسيخها بعد سنوات طويلة من إهمال هذا الملف وتركه لكيانات تتلاعب به خلال 30 عاما، ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى المسئولية أعادت مؤسسات الدولة التركيز على إحياء القيم والعادات والتقاليد السامية التى تميز بها المصريين، وتعانى مصر من أكبر مصدر للمخلفات الصلبة منذ 30 عاما، وهى المخلفات البلدية أو القمامة المتولدة من القطاع السكنى والقطاع التجارى والمحال التجارية وكافة الأنشطة الإنسانية والتى تحتاج لاستراتيجية واضحة ووفق مخطط زمنى للتعامل مع هذا التحدى.
نجحت وزارة البيئة مؤخرا فى وقف منحنى التدهور البيئى الناجم عن تراكم المخلفات وذلك بالتعاون مع الجهات ذات الصلة لكننا بحاجة إلى التحرك للأمام بشكل سريع لتحفيز القطاع الخاص للاستثمار فى هذا القطاع ووضع إدارة متكاملة ومتخصصة للتخلص من المخلفات والاستفادة منها سواء بعمليات إعادة التدوير أو المعالجات الحرارية لها.
وحسب الإحصائيات الرسمية تتولى 47% من المخلفات الصلبة فى القاهرة الكبرى "القاهرة والجيزة والقليوبية" والإسكندرية فقط، وبلغ معدل الجمع فى المحافظات عام 2018 ما يقرب من 55% وحققت مصر قفزة خلال العامين الماضيين فى عملية الجمع.
الحقيقة أننا بحاجة للتعامل مع هذا التحدى من المنبع بمعنى أن توفر الأحياء صناديق كافية للقمامة فى الأحياء التى تشهد تواجد سكانى كبير وتقديم محفزات وامتيازات للمواطنين الذين يعملون على جمع القمامة فى منازلهم بشكل سليم يوفر على الدولة ملايين الجنيهات خلال عمليات الفرز والاعتماد التكنولوجيا الحديثة فى عملية جمع المخلفات، ومن أبرز هذه الامتيازات تقديم خصومات لهؤلاء المواطنين فى عدد من الخدمات الأساسية سواء فى قطاع الطاقة أو السلع الأساسية وتخفيض الرسوم فى أى معاملة حكومية للمواطنين المتعاونين فى هذا الملف، بالإضافة لوضع قواعد وتشريعات صارمة مع أى كيان أو مؤسسة أو شركة تتخلص بمخلفاتها الصلبة بشكل يخالف القانون حتى لو وصل الأمر لتجميد نشاط هذه الكيانات لعدة أشهر كى لا تقدم على ارتكاب هذا الجرم.
حقيقة الأمر أن هذا الملف به تحديات ضخمة لم تنجح دول الاتحاد الأوروبى نفسها فى التعامل معها حيث تعمل دول الاتحاد على تصدير ملايين الأطنان من النفايات سنويا نحو إفريقيا وآسيا، والإحصائيات الرسمية تتحدث عن إنتاج أكثر من ثلاثة مليارات طن كل عام، وتم تصدير 41.1 مليون طن إلى الخارج عام 2018، بقيمة إجمالية وصلت إلى 16.6 مليار يورو، وهو مبلغ كفيل بإثارة السؤال عن دواعى التصدير، فلو لم تكن تكلفة تدويرها مرتفعة جدا، أو التخوف من أضرار عملية على البيئة المحلية، لما غادرت هذه النفايات الحدود الأوروبية نحو الخارج.
ومن أبرز التحديات التى تواجهنا هى النفايات الإلكترونية التى تحتاج إلى جهد شعبى ومؤسسى مشترك، وتلجأ بعض دول العالم إلى تصدير النفايات الإلكترونية بطريقة غير مشروعة إلى دول أفريقية وهى نفايات سامة وتصديرها بهذه الطريق يتنافى مع مقتضيات اتفاقية بازل الصادرة عام 2002.
تبقى دولة الدنمارك ضمن التجارب الرائدة فى هذه المجال، فهى الأولى أوروبيا من حيث إنتاج الطاقة الخضراء من النفايات، فنحو 15 % من الكهرباء يتم توليدها من إعادة تدوير المخلفات، رغم تصنيفها ضمن الدول الأكثر إنتاجا للقمامة.
وأطلقت وزارة البيئة رسميًا فى شهر يونيو الماضى الحملة القومية للتخلص الآمن من النفايات الإلكترونية، والتى تهدف لجمع المخلفات الإلكترونية من الأفراد من خلال تقديم قسائم تخفيض "حوافر" للأفراد للتخلص من المخلفات الكهربائية والإلكترونية عبر التطبيق الإلكترونى E-Tadweer، وتوفير نقاط لجمع المخلفات، لكن الحقيقة هذه الحملة لم يتم دعمها على المستوى الشعبى أو الإعلامى بشكل كاف وتحتاج لحملات مكثفة للترويج لها وحث المواطنين على التعاطى معها بشكل إيجابى.
ووفقا البيانات التى أعلنتها وزارة البيئة تبلغ كمية المخلفات الإلكترونية المنتجة فى مصر سنويًا بنحو 88 ألف طن سنويًا، وتعد المنازل ثانى أكبر مصدر للمخلفات الإلكترونية، ثم القطاع الحكومي، وهو أحد أبرز الملفات التى تحتاج لتعاون شعبى للتخلص بشكل آمن من المخلفات الإلكترونية التى تضر بصحة الإنسان.
"الجمهورية الجديدة" التى يتطلع لها الشعب المصرى تتطلب منا الالتزام بواجباتنا تجاه وطننا والحفاظ على البنية التحتية للدولة المصرية وكافة الإنجازات التى تحققت خلال السنوات القليلة الماضية، الحفاظ على الجمهورية الجديدة يحتاج لجهد جماعى وليس فقط حكومى لأن عدم وجود رغبة شعبية فى تغيير وتطوير بلادنا لن نحقق ما نطمح إليه وهو اللحاق بركب الدول المتقدمة والذى تخلفنا عنه لعقود طويلة.