«من رحم المحنة، تولد المنحة، ولا يوجد كرب طالما هناك رب، قادر وعظيم وكريم ورحيم وودود وعطوف»، درس قوى ومدهش، دشنه العبقرى المفكر والطبيب والفيلسوف الدكتور مصطفى محمود، يصلح نبراسا يبدد ظلام اليأس والإحباط من داخل كل نفس بشرية، ويعالج كل أمراض الاكتئاب، ويبشر بالأمل القريب.
الدكتور المبدع، مصطفى محمود، لم يكتف بأن يخلف إنتاجا فكريا غزيرا، تمثل فى تأليف 89 كتابا، و400 حلقة من برنامجه الشهير «العلم والإيمان»، أو تدشين نظريات علمية، ورفع منسوب الوعى، والتدبر فى حركة الكون، بتفاصيله المختلفة والدقيقة، وإنما دشن طرق الصبر والمثابرة، والتفاؤل والأمل، وتحطيم الاكتئاب، وتطهير النفس من كل شوائب الإحباط واليأس.
المفكر المبدع، تعرض لمحنة كبيرة فى بداية حياته، وتحديدا عندما كان طالبا فى الفرقة الثالثة بكلية الطب، فقد أصيب بعدد من الأمراض، وظل يتنقل بين المستشفيات المختلفة، لمدة 4 سنوات كاملة، كان فيها رهين غرف العمليات والعناية الفائقة، ثم غرف الاستشفاء، وتأثر نفسيا، من تأخره فى دراسته، بينما رفاقه أنهوا مراحلهم التعليمية وصاروا أطباء.
وهنا ولدت المنحة من رحم المحنة، فبينما كان يجلس أسيرا إجباريا بفعل المرض، فى المستشفيات المختلفة، بمفرده، بدأ مرحلة التفكير والقراءة والبحث، وأن هذه السنوات الأربع، كما قال هو بنفسه، منحته فرصة ذهبية للقراءة والتدبر فى أسرار جسده، والكون، واستعان بالكتب والمراجع لقراءتها، ما أثر بشكل بالغ فى تحويل مسيرته العلمية، من طالب بكلية الطب يرنو للحصول على درجة البكالوريوس، ويصبح طبيبا فى تخصص ما من التخصصات الطبية، إلى عالم ومفكر وفيلسوف وكاتب مبدع.
قال مصطفى محمود، فى أحد حواراته التليفزيونية: «مررت بتجربة مرضية قاسية، عندما كنت طالبا فى كلية الطب، وتنقلت بين المستشفيات المختلفة طيلة 4 سنوات كاملة، وأجريت 22 عملية جراحية، كانت بمثابة عمليات ترميم لكل جسمى، وكنت أجلس بمفردى، لا أتحرك من السرير، وهنا كانت نقطة التحول فى حياتى، التفكير العميق، والتدبر، ومرحلة القراءة والبحث».
وأضاف: «لولا السنوات الأربع الصعبة، ما وصلت إلى ما وصلت إليه كطبيب شهير ومفكر وكاتب، لذلك لا يوجد كرب طالما فيه رب، قادر وكريم ورحيم وعطوف وودود، وعلى الإنسان إذا تعثر أو فشل فى مسيرته العملية والحياتية، أو أصيب بمرض، فقط عليه الصبر، وعدم التعجل، لأن الله سبحانه وتعالى يختار للإنسان أفضل الاختيارات».
تجربة الدكتور مصطفى محمود، فى الحياة، فكريا وأدبيا وطبيا، ثرية، ومبهرة، وعميقة، تحتاج مجلدات لشرحها واستخلاص الدروس والعبر منها، لكن الشىء اللافت والذى صنع الدكتور مصطفى محمود، كقيمة وقامة، كانت محنته، وجلوسه 4 سنوات فى بداية حياته بالمستشفيات، وعلى سرير المرض لا يتحرك، كانت نقطة تحول جوهرية، وصارت المحنة، منحة عظيمة.