لا شك أنك لاحظت كيف تصاعدت في السنوات القليلة الماضية درجات وعي الشباب ليس في مصر فحسب ولكن على مستوى الشباب العربي، بالأعمال الدرامية والسينمائية، صاحبة الشهرة العالمية، ولا شك أيضا أن تزايد نسب مشاهدة هذه الأعمال كانت بفضل السوشيال ميديا، التي فتحت افاق ما كانت لتفتح بتلك السرعة المبالغ فيها، لولا وجود السوشيال ميديا التي سهلت المعرفة، وتسارعت معها وتيرة متابعة كل ما هو جديد.
منصات المشاهدة المدفوعة، ساهمت هي الاخرى في زيادة الاهتمام بالأعمال الدرامية والسينمائية العالمية، لأنها بشكل او بآخر ساهمت فى قفزات وتحورات على مستوى الجودة الفنية، بما اتاحته من امكانيات، ساعدت على تجاوز العملية الانتاجية الكلاسكية للدراما والسينما.
ولكن، واذا كنا هنا نعدد ايجابيات السوشيال ميديا ومنصات المشاهدة، إلا انا الامر لا يخلو من بعض السلبيات أيضا، فنسب المشاهدة والشهرة العالمية التي اكتسبتها بعض الأعمال مؤخرا مثل game of thrones أو La Casa de Papel وغيرها من المسلسلات، بعيدا عن جودتها الفنية، إلا أنها ما كانت لتشتهر لولا أدوات التسويق المُحكمة التى تستخدمها منصات المشاهدة العالمية.
لا ينكر أحد ان الولايات المتحدة برعت فى ذلك بشدة لعوامل كثيرة أهمها انها مهد السينما، ثم صدرت هذا النوع الفريد من الفن للعالم كله، وأيضا لبراعة صناع العملية الفنية هناك، ولكن العنصر الأبرز من وجه نظرى يتمثل في المقولة الشعببة "الصيت ولا الغنى" فالولايات المتحدة تتغنى وتتفاخر بهوليود ونجومها، بينما في حقيقة الأمر هى لا تقدم الفن الأكثر اتقانا فى السنوات الاخيرة، فرغم ايرادات السينما الأمريكية الكبيرة، الا أنها في السنوات الأخيرة، بات لديها مشكلة واضحة في صناعة السينما والدراما، تتمثل فى إعادة أعمال ناجحة بأشكال مختلفة، فقط لتحصد نفس النجاح، حتى أنها أصبح لديها قوالب من الافكار المكررة والمعلبة والمحفوظة و"الاكليشيهات"
صحيح أنه بلغة الحسابات، تنتج أمريكا أرقاما ضخمة من الانتاجات الدرامية والفنية، ولكنها بالنسبة والتناسب، فالأعمال المبهرة قليلة.
دول عديدة فطنت لهذا الأمر، فطورت فنها وأعمالها السينمائية والدرامية، بل وتفوقت على الأعمال الامريكية، وهنا لابد من الإشارة إلى اسبانيا التى حولت دفة الدراما فى السنوات الأخيرة، وكلل La Casa de Papel هذا التفوق وهناك غيره من الأعمال الدرامية الجيدة و"المبهرة"
بخلاف اسبانيا، هناك أيضا المكسيك وألمانيا وكوريا والهند، وان كانت سينما الأخيرة تتحدث عن نفسها من عقود طويلة، فالصورة الذهنية للأعمال الهندية التي بها قدر من المبالغات المضحكة قد اختفت ولم يبقى منها الا الذكرى فقط.
فى عالمنا العربي، مرت الدراما في السنوات الاخيرة بمحطات مختلفة، فظهرت هوجة المسلسلات التركية، ثم اختفت وتراجعت بعد اختفاء الابهار، وبعد أن أدرك المشاهد ان قصصها مكررة، ومفاجأتها غير مبهرة وأحيانا متوقعة، وأن السر فى الصورة والامكانيات ليس أكثر، قبل أن تعود الأعمال العربية مثل السورية والمصرية واللبنانية للريادة مرة أخرى.
ما أريد قوله، أن هذا الجيل العريض للغاية من المتابعين والمشاهدين للأعمال الغربية الذى يتنامى يوما بعد يوم، عليه أن يوسع مداركه بأعمال فنية من ثقافات مختلقة، سواء أوروبية او آسيوية او حتى أفريقية، وأن نتعرف على طريقة تفكير الشعوب وثقافتهم من الدراما الخاصة بهم، وطريقة صنعهم للفن، وطريقة ابداعهم، وحتى تاريخهم، وان نتخلى عن الصور الذهنية القديمة التى زُرعت فى عقولنا على مدار سنوات، اتضح فيها أن الافضل فى اللعبة ليس شرطاً أن يكون صانعها فقط، فاذا كان الفن الأمريكي قد هيمن، فالاخرون أثبتوا تفوقهم.