أحترم جدا آراء الكتاب حين ربطت أقلامهم ما حدث من فتوة العجوزة نائب رئيس الحي السيد ياسر فرج بفتوة دار الإفتاء التي حرمت الجهر بالإفطار واعتبرته لا يناسب التقاليد الإسلامية واعتداء على المقدسات، ومن ثم كانت أفعال الرجل لا تخرج عن اطار تلك الفتوة التي لا تراعي أي شيء ولا تلامس الإنسانية ولا حتى سماحة الإسلام، واعتبروه يغازل المؤسسة الدينية بالقبض على المفطرين بالمقاهي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه من حين إلى آخر، من هم أصلا ليحددوا ويرتبوا لنا تقاليد أو حتى يناقشو هذا الموضوع من الأساس، ومن عينهم أوصياء علينا؟ ومن أين جاءت قدرتهم في فرض شيء أي شيء على أحد؟ مصر يا سادة ليست دولة دينية، مصر دولة مدنية و أخلاقيات المواطنة "التي مازالت غائبة" هي المعيار ولا يحق لأي مؤسسة دينية التدخل في شؤون وحقوق أي مواطن يحمل الجنسية المصرية.
لكن في ما يبدو لي أن الرجل فهم الأمر على طريقة "فتى يفتي فهو فتوة" وتعامل مع الأمر بمنطق كبير الحته، أو كما جسد الأديب العالمي عمنا نجيب محفوظ تلك الحالة التي يصل إليها رجل قوي صاحب سلطة ومعه رجال يؤيدو كل تصرفاته ويطيعوا أوامره "عمياني" في الكثير من الروايات، وكأنه يرسل لنا عبر أدبه رسالة بمعنى احذروا هذا الرجل، هو موجود بالفعل ليست حكايات أسطورة مصرية قديمة بل هذا الرجل يعيش في مجتمعنا ويتكرر ويتحرك عبر الزمن هو لا ينتهي. الله يرحمك يا عم نجيب.
ترسنة القوانين المتضافرة معا بطريقة يستحيل معها تحديد تجاوزات تفقأ عين الناظر، تمر عبر العادة السرية التي يبدعها بعض رجل الأمن والتي تكشفت وتجلت أمام عين أي مواطن بسيط، فمرة تجد ضابط مباحث في ميكروباص يجوب الشوارع ويقبض على من يشتبه فيه "كدا لله في الله"، وآخر يقتحم منزل دون إذن من النيابة العامة، والأخير الذي كدر سلم منطقة العجوزة بدعوى أن حملته ضد المقاهي المخالفة، ورغم ذلك قبض على رواد المقهى! ممارسا عادته السرية التي أصبحت علنية ولا شيء فيها خفي، ومع ذلك لا نرى ولا نسمع خبر يؤكد أن المسؤول الفلاني تجاوز في اجراء ما، ويتم التحقيق معه للوقوف على الحقيقة لإتخاذ اللازم معه، بالعكس تمام فمن تابع تصريحات رئيس الحي نفسه سيتأكد أننا مهما حيينا لم ولن نقرأ ذات يوم خبرا مثل هذا.