أيام قليلة تفصلنا عن الاحتفال بالذكرى الثامنة والأربعين لانتصارات حرب أكتوبر 1973 العظيمة والتي تعد أحد أبرز الملاحم العسكرية العظيمة التي قادتها قواتنا المسلحة في القرن الماضي، فهي ليست مجرد معركة عسكرية فقط بل كشفت مدى نجاح التضامن والتكاتف العربي في هزيمة أي كيان معادي للأمة العربية ويعاديها.
من الاجحاف خلال الحديث عن انتصارات أكتوبر ألا نتطرق إلى حرب الاستنزاف التي استمرت ما يقرب من 500 يوم سطر فيها أبطال القوات المسلحة من وحدات الصاعقة وفرق الاستطلاع والمدفعية والضفادع البشرية وغيرها، عشرات البطولات التي تسجل بحروف من نور في تاريخ العسكرية المصرية، وهي الحرب الحقيقية التي مهدت لملحمة أكتوبر العظيمة.
الجميل في حرب الاستنزاف أن القيادة العامة للقوات المسلحة ركزت على فكرة شخصية المقاتل ورفع الروح المعنوية للجنود والعمل على كسر الصورة الذهنية النمطية التي رسختها إسرائيل بأن جيشها لا يهزم وأن مقاتليها "سوبر" لا يستطيع أحد مواجهتهم في أي حرب، وكانت هذه نقطة الانطلاق نحو إعادة الثقة إلى جنودنا والعمل على استنزاف إسرائيل عسكريا ولم تتوقف العمليات التي نفذتها قواتنا خلف خطوط العدو.
وجاءت ملحمة أكتوبر لتكشف مدى عظمة الشعب المصري الذي خلق من رحم المعاناة أمل وحول النكسة إلى حافز لتحرير الأرض والعرض من الاحتلال الإسرائيلي، ولم تكن القوات المسلحة في هذه المعركة التي تحتاج إلى مجلدات ضخمة لنقل بصورة دقيقة ما حدث في 1973، ويجب الإشارة هنا إلى دور أبناء مدن القناة وتحديدا بورسعيد والسويس والذين دفعوا الغالي والنفيس من أجل تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، وكان للمقاومة الشعبية دورا هاما في ملحمة أكتوبر.
نحن بحاجة إلى عمل سينمائي ضخم لتوثيق انتصارات أكتوبر 1973 لتعريف الجيل الجديد بالملحمة العظيمة التي نجح أباءنا وأجدادنا في هذه المعركة المصيرية التي أبهرت دول العالم وأثبتت أن الجندي والمقاتل المصري لا يقهر، وعلى الرغم من الأعمال التي قدمت خلال سبعينيات وثمانينات القرن الماضي إلا أنها تبقى مناسبة للفترة التي قدمت فيها، لذا نحن بحاجة لعمل فريد من نوعه يشرح ببساطة هذه الملحمة الفريدة.
تعمل إسرائيل خلال العقود الماضية على ترسيخ معلومات مغلوطة وأكاذيب حول حرب أكتوبر 1973 وتسعى بشتى السبل اقناع الجيل الجديد أنهم لم يهزموا في هذه الحرب، بل والمضحك في الأمر أنهم يحاولون اقناع الأجيال الجديدة أنهم حققوا انتصارا في هذه الحرب، وتمكنت إسرائيل من الترويج لروايتها الخاصة بحرب أكتوبر في وسائل الإعلام الدولية، والتلاعب بالتاريخ عبر العبث بأي محتوى يبرز الانتصارات المصرية في حرب أكتوبر حتى تطال التحريف المواد المنشورة عبر موسوعة ويكيبيديا ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يتطلب منا التفكير وضع استراتيجية ورؤية لمواجهة هذه الأكاذيب والعمل على توضيح الحقائق.
التعامل برد الفعل يكون أصعب من الفعل نفسه وبالتالي علينا التحرك لتأريخ ما حدث في الفترة من 5 يونيو 1967 وحتى أكتوبر 1973 بالاعتماد على الأرشيف الوطني الذي سجل بطولات القوات المسلحة خلال هذه الفترة والدور الشعبي الداعم لجيشنا البطل في المعركة التي أثبتت للعالم أن للشعب المصري قوات مسلحة لا تقهر وقادة على رد الصاع صاعين لأي محتل غاصب.
يجب ألا تكون أكتوبر مجرد ذكرى نحتفل بها كل عام لكن علينا أن نعمل على إيجاد أفكار تكون مختلفة بحيث تبقى هذه الملحمة عالقة في الأذهان طوال الوقت، الأعمال السينمائية والدور الإعلامي أحد أبرز المسارات التي يمكن أن نتحرك بها، بالإضافة لتحفيز الباحثين والمؤرخين على توثيق معارك حربي الاستنزاف وأكتوبر كل معركة على حدا لأن الوصول إلى أكتوبر 1973 جاء بعد ملحمة طويلة من المعارك، ونحتاج في المناهج التعليمية للتعاطي مع ملحمة أكتوبر بشكل مختلف بحيث لا يكون الأمر مجرد فصل كامل في كتاب التاريخ يحفظه الطالب دون فهم كامل للهدف من توثيق هذه الملحمة في مناهجنا الدراسية، وعلينا الانطلاق نحو أفكار تتواكب مع طبيعة الجيل الحالي وفكره كي نتمكن من الوصول لكل النشأ الجديد لتعريفه بكافة التفاصيل التي جرت من يونيو 67 وحتى أكتوبر 73.
حروب الجيل الرابع والتي تتمثل في حرب المعلومات هي أحد أخطر الحروب خلال القرن الحالي حيث تعتمد على تقديم أفكار ومعلومات مغلوطة بطريقة مختلفة ومحاولة ترسيخها في الأذهان عبر تقديمها في محتوى سينمائي أو دراسي أو أكاديمى، وهنا يأتي دور دراسي اللغة العبرية الذين يقدرون بالآلاف في مصر بحيث يعملون على رصد كافة الأكاذيب والمعلومات المغلوطة التي تروجها إسرائيل حول حرب أكتوبر ويتم الرد عليها بالعبرية أيضا وتصويبها للقارئ العربي بحيث لا يقع في فخ "أسرلة أكتوبر".
كل عام وشعب مصر العظيم بخير بمناسبة ذكرى انتصارات حرب أكتوبر العظيمة .. كل عام وكل جندي مقاتل في صفوف قواتنا المسلحة بخير .. رحم الله قادة ورموز حرب أكتوبر 1973 والذين قدموا تضحيات كبيرة وخططوا بشكل جيد لهذه الحرب التي أعادت للعرب هيبتهم وأعادت لمصر سيناء الغالية التي تعمل القيادة السياسية حاليا على النهوض بها وتحقيق التنمية المستدامة في أرض الفيروز التي دفعنا فيها دماء غالية.