الأزمة المالية التي تعيشها شركة "ايفرجراند" الصينية، باتت محط أنظار العالم، خاصة أن حجم الديون المتراكمة عليها يصل إلى 305 مليارات دولار لدى عشرات البنوك حول العالم، خاصة أنها ترتبط بـ 120 بنكاً داخل الصين، و129 مؤسسة مالية داخل بكين وخارجها، ومطلوب بشكل فورى سداد كوبونات أرباح لحاملي أسهمها بواقع 669 مليون دولار حتى نهاية العام الجاري.
البعض يتساءل كيف لشركة عملاقة، تتربع على قمة المجموعات العقارية في العالم، ولديها حجم أصول قيمته 352 مليار دولار، وعدد مشروعات 798 داخل الصين وخارجها أن تتعثر وتصل إلى حافة الإفلاس وتحاصرها الديون هنا وهناك؟! بل قد تتفاقم الأزمة وتقود عدد كبير من البنوك والمؤسسات المالية إلى الإفلاس خلال الأيام المقبلة، الإجابة على التساؤل تكمن في حالة " الركود" التي يعيشها سوق العقارات الصيني، وامتد إلى أغلب دول العالم منذ العام 2018، فعلى الرغم من تضاعف سهم الشركة أكثر من 6 مرات في الفترة من 2009، حتى 2018، إلا أن منحنى الهبوط بدأ منذ 3 سنوات وتحركت معه الشركة نحو خط اللا عودة.
ايفر جراند وقعت على قروض خلال فترة ذروة المبيعات قبل عدة سنوات، اعتقادا أن معدلات النمو سوف تستمر وتيرتها بنفس الصورة، وهذه أزمة تقع فيها أغلب الشركات العقارية الكبرى، حتى جاء الركود وانخفاض حجم المبيعات ليعصف بآمالها نحو التوسع والنمو، بل قادها إلى أعباء ديون كبيرة جداً، تزامنت لاحقاً مع جائحة كورونا العالمية، التي بدأت من الصين وامتدت إلى العالم كله.
لم تفلح محاولات ايفر جراند في استعادة نشاط المبيعات مرة أخرى، حتى بعدما خفضت أسعار وحداتها بنسب وصلت إلى 30%، فقد بدأ الحائزون لعقارات الشركة في عمليات بيع واسعة، خاصة الشرائح التي كانت تستثمر في هذا القطاع، خوفاً من انخفاضات كبيرة منتظرة في الأسعار، بالتزامن مع تراجع سهم الشركة في البورصة بنسبة 85% منذ مطلع 2021، حتى الآن، وينتظر المزيد من الهبوط خلال الأيام المقبلة، لذلك باتت عمليات "الريسيل" أو إعادة البيع لعقارات ايفر جراند تحمل خصومات بنسب أكبر من التي أعلنت عنها الشركة، فالكل يرغب في البيع مع توقعات مستمرة بأن الأزمة لن تتوقف عند هذا الحد.
عملاق العقارات الصينى، الذي يعمل لديه أكثر من 123 ألف عامل، ولديه محفظة أراضي تقدر بنحو 231 مليون متر مربع، يعانى أزمات منتظرة مرتبطة بالوفاء بالتزاماتها المالية الضخمة، الخاصة بأرباح حاملي الأسهم وفوائد القروض المتراكمة لدى البنوك، بالإضافة إلى رواتب الموظفين ونفقات التشغيل، إلى جانب الضغوط التي يمارسها نحو1.5 مليون عميل مازالوا ينتظرون استلام وحداتهم دون جدوى حتى الآن، الأمر الذى قد يقود العالم إلى أزمة مالية عالمية، كما حدث بين عامي 2007 و2008، خاصة أن العقارات سبب أساسى في الأزمتين، وهذا بدوره يلقى بظلاله على هذه الصناعة الضخمة ويجعلها على المحك كأحد الأدوات الاستثمارية، التي يلجأ إليها البعض للاحتفاظ بأموالهم.
أزمة ايفر جراند بالطبع كرة ثلج سوف تؤثر على القطاع العقاري والمصرفي في مختلف دول العالم، بالإضافة إلى تأثيراتها الكارثية على أسواق المال والحائزين لأسهم العقارات، لذلك سوف أواصل غداً الحديث عن تبعات الأزمة والحلول التي يطرحها الخبراء للخروج منها.