"لا أريد أن أنجب المزيد من الأطفال وأخشى أن أحمل، لقد حملت مرة تلو الأخرى لعدم قدرتي على الحصول على وسائل تنظيم الأسرة المناسبة، ولقد سبب لي ذلك قصوراً في مستويات الحديد والكالسيوم في الدم وبات جسدي ضعيفا منهكا، وتضاعفت همومنا المالية وبات الفقر مصيرنا المحتوم، نحن نعجز عن الوفاء بالتزامات الأبناء وتوفير الغذاء والرعاية الصحية، لن يكون بإمكاننا ضمان تعليم جيد ولا عيش كريم لأبنائنا". هذا جانب من قصة فاطمة، 37 عاما، وهي لاجئة سورية في الأردن وأم لستة أطفال.
ليست فاطمة وحدها، ففي عام 2019، تشير التقديرات بأن حوالي 60.5٪ من النساء العربيات المتزوجات يرغبن في تجنب الحمل في العامين التاليين، وبرغم ذلك فإن 40٪ منهن لا يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة الآمنة والفعالة. وتتراوح أسباب ذلك بين عدم إمكانية الحصول على المعلومات أو الخدمات أو الوسائل، والافتقار إلى الدعم من شركائهن أو مجتمعاتهن.
حسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن تمكين كل النساء والفتيات اللاتي لديهن احتياجات غير ملباة لوسائل تنظيم الأسرة الحديثة، من شأنه منع ما يقرب من 70،000 حالة وفاة بين الأطفال حديثى الولادة.
ووفق البيانات المتوفرة لدينا فإن نحو 15٪ من النساء والفتيات في الدول العربية اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15-49 سنة لديهن احتياجات غير ملباة لتنظيم الأسرة وهو معدل أعلى من المعدل الدولي المقدر بـ 10%.
إن إتاحة وسائل تنظيم الأسرة الطوعية الآمنة هو حق من حقوق الإنسان وله مكاسب على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية. فعندما تتمكن المرأة من تنظيم أسرتها، يمكنها تخطيط حياتها والسعي للحصول على المزيد من التعليم أو الالتحاق بوظيفة أفضل والاحتفاظ بها. ومع تحسن وضعها المالي يستطيع أطفالها أيضًا الحصول على تعليم أفضل.
إن حصول المراهقات على التوعية اللازمة بشأن صحتهن الإنجابية والنساء على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك خدمات تنظيم الأسرة اللازمة قد يؤدي إلى خفض حالات الحمل غير المرغوب فيه بنسبة 70٪ وخفض حالات الإجهاض غير الآمن بنسبة 67٪.
إن إتاحة التثقيف الجنسي الشامل للمراهقين والذي يتضمن معلومات دقيقة علميًا ومناسبة لأعمارهم عن أجسادهم وصحتهم الإنجابية، بالإضافة إلى معلومات حول وسائل تنظيم الأسرة والولادة والأمراض المنقولة جنسيًا، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية، يشكل نقطة انطلاق حاسمة من أجل تحسين صحتهم على المدى الطويل. كما أنها ضرورية لتحسين صحة الأمهات وحديثي الولادة. ففي المنطقة العربية، تعد المضاعفات الناتجة عن الحمل والولادة من الأسباب الرئيسية لوفيات المراهقات (من 15 إلى 19 سنة) وزيادة الهدر المدرسي والعواقب النفسية والاجتماعية. كما يواجه أطفالهن أيضا خطر الموت بدرجة أعلى من أطفال النساء الأكبر سنا. ويواجه المراهقون عوائق هائلة في الوصول إلى معلومات وخدمات الصحة الإنجابية.
وهناك مزايا اقتصادية واضحة للاستثمار في تنظيم الأسرة. ففي عام 2015، قاد صندوق الأمم المتحدة للسكان في جمهورية مصر العربية إجراء تحليل للمردود الاقتصادي من الاستثمار في برامج تنظيم الأسرة، وأبرزت النتائج أنه مقابل كل جنيه مصري يتم استثماره في برنامج تنظيم الأسرة يوجد عائد على هذا الاستثمار يساوي أكثر من 56 جنيهًا مصريًا خلال الفترة من 2014 إلى 2050.
ويعمل المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية على دعم جهود الدول العربية في تنظيم الأسرة من خلال ضمان الإمداد الثابت والموثوق به لوسائل تنظيم الأسرة الحديثة عالية الجودة وبتكلفة مناسبة وتعزيز النظم الصحية الوطنية والدعوة إلى سياسات داعمة لتنظيم الأسرة وجمع البيانات اللازمة لدعم هذا العمل.
ويدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان جامعة الدول العربية في تطوير الاستراتيجية العربية لصحة المرأة والطفل والمراهقات التي تبلغ مدتها 11 عامًا (2019 حتى عام 2030)، وذلك لضمان إتاحة خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة لكل امرأة، واختيارها لوسيلتها المفضلة بما يتماشى مع جدول أعمال أهداف التنمية المستدامة وبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية.
وللاستجابة لاحتياجات تنظيم الأسرة العاجلة خلال الأزمات الإنسانية، يقدم صندوق الأمم المتحدة للسكان حقائب الصحة الإنجابية ووسائل تنظيم الأسرة الطارئة إلى وزارات الصحة وجميع الشركاء الحكوميين وغير الحكوميين الذين يقدمون خدمات الصحة الإنجابية في البلدان العربية المتضررة. تحتوي حقائب الصحة الإنجابية على مختلف وسائل تنظيم الأسرة الحديثة.
الدكتور لؤي شبانه
المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية