إن قضية القضاء والقدر واحدة من القضايا الكبرى التى تشكل العقل الإسلامى العربى، وقد خاض فيها المتخصصون فى علوم الأديان وأهل التفسير ورجال الفلسفة، وناقشها الأدباء والفنانون وغيرهم ممن ينشغلون بحياة الإنسان ومعنى وجوده على هذه الأرض، وبالمجمل فقد غلب على المعنى اتجاهان، الأول أن الإنسان مسير، والثانية أن الإنسان مخير، ولكل فريق أدلته وأسسه، وهذا الاختلاف لحق أيضا بمفاهيم متعددة منها مفهوم "السعى".
والمتأمل لكتاب الله سبحانه وتعالى سيجد فى شأن "السعى" معانى راقية جدا تليق بالإنسان ومكانته التى وضعه الله فيها، يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة النجم "وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى"، والسعى أمر قائم على الفعل، وليس على التمنى والكلام والرغبة والنية، إن السعي هو الخوض فى الحياة ودروبها، والمغامرة سواء أكانت محسوبة أم لا، ثم تحمل نتيجة كل ما قمنا به.
والسعى يعنى الإيمان التام بأن الله قد خلق الإنسان حرًا، وهذه الحرية تقتضى الاختيار، والاختيار بدوره يعنى الحركة للأمام وعدم الثبات، كما يعنى أيضا الخوف من الفشل والرغبة العارمة فى النجاح، وإيماننا بهذه المعانى دافع قوى لفهم معانى الحياة.
وعلينا معرفة أن السعى هو الذى يصنع الأقدار، فما تقوم به خطوتنا وعقولنا هو ما يصنع يومنا وغدنا أيضا، وذلك لا يتنافى مع إيماننا بأن حياتنا مقدرة فى علم الله، لكن طالما نحن لا نعلم ما تخبئه الأقدار فعلينا مواجهتها بما تفعله أيدينا، ثم نسأل الله السلامة.