الدجل والشعوذة، لم يقتصرا فقط على اللعب بمشاعر الناس، وبيع الوهم بالاطلاع على الغيب والمستقبل، والقدرات الخارقة فى العلاج من الأمراض المزمنة والتفريق بين الأزواج، والقضاء على العنوسة، إلى آخر هذه التخاريف المرهقة لمشاعر الناس، والمدهش أن شراء الوهم من الدجالين والمشعوذين فى «كاسات» لم يقتصر فقط على البسطاء، ولكن على المثقفين من النجوم والمشاهير فى السياسة والفن وكرة القدم، إلى آخر المهن المعروفة!
وصل الدجل والشعوذة إلى البحث والتنقيب عن الآثار فى مختلف عصورها، فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية، ليس من باب الاقتناء، وإنما بحثًا عن الثراء الفاحش، وأن هذه الظاهرة انتشرت كالنار فى الهشيم فى صعيد مصر، والقاهرة والجيزة، وبعض محافظات الوجه البحرى.
الدجال والمشعوذ، لديه القدرة على إقناع الناس، بأنه يمتلك خريطة المناطق الأثرية، وتحديد نوع وتاريخ الأثر قبل الحفر، وأن المطلوب فقط، شراء متطلبات البحث، وأولها البخور خاصة «الطقش المغربى» والذى وصل سعر الجرام منه لأرقام كبيرة، بجانب بعض التراتيل، وللأسف، صار اقتناع الناس وتحديدا فى قرى ونجوع ومدن محافظات الصعيد، إلى درجة اليقين، وأن معظم المنازل، بدأ الحفر فيها، اعتمادا على الشيخ «الدجال» ورؤيته وقدرته.
الشخص الضحية الحالم بالثراء الفاحش دون جهد وتعب، يصدق الدجال، ويبدأ فى منحه الأموال الضخمة، لشراء متطلبات البحث والتنقيب عن الآثار، وتستمر عمليات الحفر، وكلما زاد عمق الحفر والفشل فى العثور على شىء، تزداد المراوغة والتبريرات، ما بين أن الحارس «الجن» قوى وشرس، وتغيير مسار الحفر، تقابله زيادة فى الطلبات، واستنزاف جيوب الضحايا من الأموال.
وعند استفاقة الضحية من التنويم المغناطيسى الذى خضع له على يد الدجال، ويلوح فى الأفق بوادر الشك والريبة، تنتقل تبريرات الدجالين إلى المرتبة المتوحشة الصادمة، المغلفة بمطلب يعتقدون أنه المستحيل، وهو ضرورة وجود دم بشرى ساخن لتقديمه للجن، ليفسح الطريق أمام الاكتشافات الأثرية.
انطلاقا من هذا المطلب التحريضى الدامى، ينقسم ضحايا الوهم والسراب فى الثراء، على أنفسهم، الغالبية تستفيق وترفض، والقلة تنفذ مطالب هؤلاء المشعوذين، بالتورط فى ارتكاب جرائم قتل، أقرب المقربين منهم، لتقديم دمائهم قرابين للجن والعفاريت ليأذنوا بفتح المقابر والحصول على الكنوز المحشوة فى باطنها!
والضحية الباحث عن الثراء، لا يمنح نفسه فرصة التفكير والتريث لدقيقة واحدة، ويسأل نفسه سؤالا، ما علاقة الجن والعفاريت بحراسة المقابر؟ وما علاقة الدماء بإقناع الجن والعفاريت بالسماح لدخول المقابر؟ وإذا افترضنا أن المصريين القدماء «الفراعنة» برعوا فى السحر وسخروا الجن لحراسة مقابرهم، فهل اليونانيون أو الرومان ساروا على نفس النهج،؟ وهل الأقباط والمسلمون، سلكوا نفس الدرب أيضا؟
وإذا كان اكتشاف المقابر والمعابد والتماثيل وكل الشواهد الأثرية يحتاج إلى بخور وطقش مغربى بالملايين، ودماء ساخنة، لرشوة الجن والعفاريت لتمكينهم من الكنوز المخبأة تحت وفوق الأرض، فكيف تمكن علماء الآثار من اكتشاف كل الآثار المعلومة الآن فى كل ربوع مصر، دون إشعال عود بخور واحد؟!
ماذا عن درة المقابر الفرعونية، مقابر وادى الملوك والملكات والعمال فى الأقصر، وآثار تل العمارنة ومقابر بنى حسن فى المنيا، وسقارة بدهشور، ومنطقة الأهرامات، وغيرها من التى لا تعد ولا تحصى؟! الحقيقة المؤكدة علميًا، أن الدجالين والمشعوذين، ينصبون شباكهم لتنفيض جيوب الحالمين عن الثراء الفاحش، وشراء الوهم بحثا عن الآثار، وإذا كانت لدى الدجالين القدرة على اكتشاف الآثار، فلماذا لم تستعن بهم وزارة الآثار وهيئاتها المتخصصة، فى البحث والتنقيب بديلًا عن البعثات العلمية سواء كانت مصرية أو أجنبية؟!
الدجالون، استغلوا أحلام البعض فى الثراء، وأوقعوهم فى شباك بيع الوهم، بالعثور على كنوز أسفل منازلهم، لتنفيض جيوبهم وتجريدهم من ممتلكاتهم، وعند استنزاف كل الحيل والمبررات، يصلون إلى حيلة التخلص من الضحية بطريقة جهنمية من خلال التحريض على القتل، وعند تنفيذ الجريمة يُلقى القبض على الضحية، ويتخلص الدجال منه، ثم يبحث عن ضحية أخرى، ويتكرر مسلسل بيع الوهم بحثًا عن الثراء الفاحش دون جهد!
وللحديث بقية غدًا إن شاء الله.. لتفنيد الظاهرة علميًا، وتحذير الناس من أكاذيب الدجالين والمشعوذين!