هل أجرم صناع الإعلان فعلا؟
أصدر جهاز «حماية المستهلك» قرارا بوقف بث العديد من الإعلانات أشهرها إعلان «الدندو» الذى بثته إحدى شركات الألبان لأن تلك الإعلانات، بحسب ما ذكر فى القرار، مخالفة للقانون وتتضمن إيحاءات جنسية لا تحترم الذوق العام، وفى الحقيقة فإن هذه الإعلانات التى سببت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى نالت من الشهرة والتحقق ما يثبت نجاحها بشكل منقطع النظير، وقد أسهمت تلك الضجة فى أن تنشغل مواقع التواصل الاجتماعى بالقضية باعتبارها قضية أمن قومى، وهى فى الحقيقة إحدى قضايا الإلهاء التى لا تثار من حين لآخر إلا لإشغال الناس عن القضايا الأساسية، فى هذا السياق يظهر جهاز حيوى ومهم مثل جهاز حماية المستهلك فى صورة السوبر مان لأنه أمر بمنع إعلان ما، فى حين أن هذا الجهاز نفسه مسؤول عن الكثير لكنه لا يقوم بما هو مطلوب منه على الوجه الأكمل.
قبل أن تكمل قراءة أريد أن أذكرك أننى هنا وفى هذا المكان سبق وأن أشدت بجهاز حماية المستهلك حينما بدأ الحرب على الفضائيات التى تبث إعلانات الدجل والشعوذة، وقد ظننت وقتها أن الجهاز انتفض أخيرا لكى يحافظ على العقل المصرى من التخلف الذى أصابه، لكن للأسف بعد هذا القرار بأيام وجدت نفس الإعلانات على قنوات أخرى، وبعدها انتشر سيل الإعلانات المشابهة فى الكثير والكثير من القنوات التى أصبحت من كثرة لجوئها للترويج للخرافة والغرائز معروفة باسم «القنوات الشمال»، التى تدخل كل يوم إلى بيوتنا ويشاهدها أطفالنا.
نأتى إلى إعلان الدندو سبب المشكلة وصاحب الصدارة فى الأزمة، وفى الحقيقة فإننى أجد هذا الإعلان «عاديا» وليس به ما يشين أو يحرض على الرذيلة مثلما يدعى البعض، فكل البيوت المصرية تلجأ إلى إطلاق مثل هذه الأسماء على موضوع الرضاعة عند المرأة، ولم يتهم أحد أحدا بأنه يشيع الرذيلة لمجرد أنه يستخدم اسما تمويهيا للاسم العام لصدر المرأة حفاظا على الذوق العام، فصناع الإعلان لم يجرموا حينما نفذوه، لكن للأسف لقد وقعنا فى المزايدات الرخيصة التى لا تفيد ولا تنفع.
أريد هنا أن أنبهك إلى أهمية جهاز «حماية المستهلك» الذى يبدو أنه تفرغ إلى إصدار بيانات المنع والتحريم دون أن يفعل شيئا على الأرض، فهذا الجهاز فى المجتمع «الرأسمالى» الذى نعيش فى ظله من المفترض أن يكون الملجأ والملاذ لكل صاحب شكوى، فلا يعنى خضوعنا لقانون «العرض والطلب» أن يحصل على أسوأ الخدمات بأغلى الأسعار، ولابد لهذا الجهاز أن يتدخل فى كل كبيرة وصغيرة وأن يعين آلاف المراقبين الذين يفتشون على مناطق الخلل والقصور فى تقديم الخدمات من جانب القطاع الخاص، وهنا أريد أن أذكرك بالمقال الذى كتبت منذ أيام بعنوان «لماذا يستغفلوننا؟» الذى عرضت فيه بعضا من المشكلات التى تواجهنا يوميا دون أن يجد لها «حماية المستهلك» وقتا ليتابعها لأنه مشغول بمتابعة «الدندو».