بكت السيدة الشابة بكاء مريرا، وهى تطلب مساعدة كل من تعرفهم لنقل طفليها من مدرستهما الدولية التى فاجأتها برفع المصروفات من ستين ألف جنيه لتسعين ألفا لابنها فى الصف الأول الإعدادى، أما ابنها الذى يدخل الحضانة فمطلوب له خمسة وثمانون ألف جنيه، وقد عجزت على إيجاد مدرسة أخرى فى حدود إمكاناتها المادية، والسيدة تنتمى إلى طبقتنا المتوسطة، وهذا المبلغ قبل الزيادة استطاعت أن توفره بعناء شديد، حيث تعمل هى وزوجها بكل جهدهما من أجل أن يعلما أولادهما تعليما جيدا. قلت لها لماذا لا تقدمين شكوى فى وزارة التربية والتعليم، فقد أعلنت الوزارة أنها لن تسمح بزيادة مصروفات المدارس الخاصة، وعلى المتضرر أن يبلغ عن المدرسة غير الملتزمة، قالت السيدة بمرارة هذه المدارس هى الأقوى وتملك دائما الحجج، وتستطيع الإفلات من أى شكوى أو مخالفة، خاصة أن بقية أولياء الأمور لا يتعاونون ويخشون الدخول فى صدامات قد تؤثر على وجود أبنائهم فى المدرسة، وبالتالى هم الطرف الأضعف دائما.
أما الحكاية الثانية فهى لأم طفلة فى إحدى المدارس الدولية أيضا، ففى العام قبل الماضى قبل الكورونا كادت تلك السيدة الشابة أن تصاب بالجنون، وقد أصيبت بالفعل بالاكتئاب من تنكيل مدرسة ابنتها بها، عندما اعترضت السيدة على مصروفات إضافية طلبتها المدرسة من رحلات وملابس حفلات وأدوات وغيرها مما رأت الأم أنه ليس من حق المدرسة تحصيل هذه الأموال أو إجبار الأهل عليها، وفوجئت السيدة بأن مدرسة الفصل نادت على ابنتها أثناء اليوم الدراسى وطلبت منها أمام بقية الفصل أن تبلغ والدتها بأن عليها نقلها لمدرسة أخرى، هذا بعد اعتراض السيدة على أسلوب المدرسة، وبعد أن حاولت تكوين جبهة من أولياء الأمور لمجابهة استبداد المدرسة وفشلت الأم لأن بقية الأمهات والآباء يخشون أن يلقوا نفس مصيرها.
أما الحكاية الثالثة، فهى لسيدة تعمل بإدارة إحدى هذه المدارس، وفى معرض حديثها كانت تحكى كيف تستعين المدرسة بمحاسب متخصص فى التعامل مع الضرائب، وأن مدرستها تدفع مائتى ألف جنيه ضرائب سنويا!! نعم الرقم صحيح فقط مائتى ألف جنيه، وهو ما يوازى مصروفات طفل أو اثنين، وأن هذا الأسلوب متبع تقريبا فى معظم المدارس الدولية والخاصة.
لدى حكايات كثيرة كلها موجعة ومؤلمة، لآباء يلهثون طوال العام فقط من أجل أن يلحقوا أبناءهم بسباق المدارس الدولية، ويخجلون من الاعتراض على أية زيادات، فهذا يقلل من مظهرهم الاجتماعى، ومن ناحية ثانية طبقة أخرى تدفع أرقاما فلكية دون الالتفات أو المراجعة لأن هذا يقلل من وضعهم الاجتماعى وربما يمنعهم غرورهم، ومدارس تستبيح حق الدولة والمجتمع، وتخلق تناقضا صارخا داخل المجتمع المصرى، بعد أن أصبحت معظم هذه النوعية من المدارس تشكل جزرا منعزلة عن مجتمعنا، ناهيك عما تفعله من مهازل اختبارات وتحريات عن الآباء والأمهات من أجل دخول أبنائهم إلى الجنة، وتكريس الطبقية فى أبشع صورها.
نحن ما زلنا ننتظر الكثير من دكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، فهل أن نأمل أن تمتد التربية والتعليم إلى تلك المدارس وإداراتها إنهم يحتاجون بالفعل؟!